قد تشعل سياسة كارزاي بإزاء طالبان حرباًَ أهلية جديدة بأفغانستان. ويخشى أن تؤدي حرب العصابات الحالية الى حرب عامة تشترك فيها الجماعات القبلية والقومية، وتقتتل فيها دون هوادة. والحق أن سياسة كارزاي الطالبانية والبشتونية جزء أو وجه من سياسة عامة أدت الى قطع الجسور بين كابول، أي كارزاي، وبين جماعات أفغانستان الأخرى، من طاجيك وأوزبك وهزارة. وإقصائي شخصياً عن منصب مديرية الأمن الوطنية في أوائل حزيران (يونيو)، بذريعة إخفاقي في الحؤول دون قصف «الجيرغا» المنعقدة بكابول، هو إجراء سياسي يعود الى خلافي مع الرئيس على سياسة «المصالحة» التي ينتهجها كارزاي، ويدعو طالبان الى استجابتها. وما كان احتمالاً ضعيفاً في ذهن الرئيس، طوال الأعوام الستة التي كنت في أثنائها على رأس جهاز الاستخبارات الوطني، انقلب في السنة الأخيرة يقيناً وركناً سياسياً ثابتاً. فهو خلص من عجز الحلف الأطلسي عن الانتصار على التمرد في السنوات التسع المنصرمة، منذ الحملة الأميركية غداة 11 أيلول (سبتمبر) 2001، ومن فشله في إقناع باكستان بالقضاء على ملاجئهم بأراضيها، الى أنه لن ينتصر هو عليهم، ولن يحمل باكستان على ما لم يحملها «الأطلسي» عليه. وانتهى الى أن الحوار هو الحل الوحيد الباقي. والمشكلة هي ان اقتراح الحوار يصدر عن طرف واحد. وطالبان غير مبالين به، وهو ليس شاغلهم. فهم يركبون موجة عالية. ويزعم «الأطلسي» انهم محشورون. وقد يصدق هذا في المقاتلين المحليين والبلديين. وهو لا يصدق أبداً في القادة الذين يحلون ضيوفاً على باكستان، فلماذا يستجيبون دعوة الحوار والحال هذه؟ ودعوة كارزاي ناعمة. وهي تخاطب متطرفين يعتنقون إيديولوجية حادة وقاطعة. وتمييز طالبان أفغانستان من «القاعدة» خطأ. وربما هناك فرق بين طالبان المحليين، مرة أخرى، وبين مجندي «القاعدة». ولكن الفرق يقتصر على الصعيد هذا، ولا يتجاوزه الى القادة. وأنا أرى الملا عمر نسخة أفغانية عن بول بوت (زعيم الخمير الحمر حين استولوا في 1978 على كمبوديا). والدعوة الى محاورة طالبان هي في مثابة اعتراف باضطلاعهم بدور «حركة تحرر وطني». وهذا سذاجة فادحة. والعامل الفادح الآخر هو لعبة باكستان المزدوجة. والقرائن عليها تلال من التقارير الاستخبارية. فعلى رأس القوات الطالبانية نحو 200 قائد يحلون ضيوفاً على باكستان، وتتولى أجهزتها الأمنية حمايتهم. وإذا أخفق «الأطلسي» بباكستان برزت باكستان قوة إقليمية، واتسع نفوذها الى حدود أفغانستان شمالاً. ولا ريب في أن تحذيري كارزاي على الدوام من دور باكستان هو أحد أسباب عزلي من منصبي وعملي. والحرب الأهلية التي تطرق الأبواب قد تكون شراً من تلك التي اندلعت في التسعينات الماضية، غداة انسحاب القوات السوفياتية. فطالبان اليوم هم أقوى مما كانوا يومها، وأقل ميلاً الى المساومة. وعليه، فالأمر عاجل، والخطر داهم، ولا عذر للقاعد. * مدير جهاز الأمن الوطني سابقاً الافغاني (2004 - 2010) وأحد مساعدي أحمد شاه مسعود ببانشير، عن «لوموند» الفرنسية، 25 - 26/7/2010، إعداد وضاح شرارة