زائر معرض الشاعر والفنان السعودي الشاب عبدالله العثمان (مواليد 1985) في غاليري «الآن» في الرياض ( حتى 30 الجاري)، لا بدّ له أن يضع خلفه صورة مدينة الرياض التي يعرفها ويحمل علامة استفهام متخيّلة. فالمعرض يدخلك الى مدينة أخرى، إلى الرياض كما يراها العثمان أو ربما كما يعيد تأويلها بواقعية، بل بغرائبية هي منها وفيها، بمعنى أنها موجودة في المدينة نفسها بعمرانها واجتماعها ومناخها وخلائط سكانها ومجتمعاتها. تقطر الأسئلة التي يثيرها معرض «السؤال- مزيد من الأسئلة» لعبدالله عثمان سخريةً ورفضاً، وأحياناً أجوبة تنتهي بعلامات استفهام. فوفق العنوان، السؤال هنا لا يؤدي إلى جواب، بل إلى مزيد من الأسئلة. لنأخذ العمل إلى واقعه، أي إلى المكان العام الذي جرى فيه. بالقرب من باب «المحكمة المستعجلة» الشهيرة علّق العثمان بالوناً أبيض كتب عليه «الحياة مغامرة جريئة أو لا شيء»، والتقط الصورة. في عمل ثان، ربط لوحة كبيرة على رافعة «ونش» وكتب عليها «البحث عن سيارة متسببة في تعطيل قلب فتاة». ودار بهذا الونش في الشوارع والتقط الصور والفيديو في المكان العام. العمل الثالث هو تصوير نفسه ببطء فوق أحد الأرصفة بينما يقفز من على تنكة بيبسي، علماً أنّ عبارة «أقفز من فوق تنكة بيبسي» هو عنوان احدى قصائد عبدالله العثمان، صاحب مجموعتين شعريتين «ذاكرة متأخرة عشر ثوان» و»قد يحدث هذا الفراغ مرتين». أما العمل الرابع، فمسرحه جدار إسمنتي في مدينة صناعية ما بعيدة ونائية، كتب عليه «هنا بشر بحاجة إلى الحياة». ينقسم عمل «السؤال- مزيد الأسئلة» إلى ثلاثة اقسام، وهو موجّه إلى ثلاثة أنواع من الجمهور. «المكان - الجمهور الأول»، هو الفنان نفسه، الذي اختار المكان العام سينوغرافيا لعمله، وما كان عليه إلا أن يضيف إليه جملته وفكرته لكي يعبر عن موقفه أو رأيه أو ما يعتمل في داخله تجاه هذا المكان العام. «المكان- الجمهور الثاني»، هو المكان العام والناس المارون فيه. فإن جملة «الحياة مغامرة جريئة أو لا شيء» موجهة الى الجمهورالحقيقي ل «المحكمة المستعجلة» ، هؤلاء الذين لا بد من أنّ مغامرة (مهما كان نوعها أو تعريفها) قد أوصلتهم إلى المحكمة. والأمر نفسه بالنسبة الى الجمهور العام الكبير في الطرق والسيارات الذي كان يشاهد «الونش» حاملاً لافتة البحث عن سيارة تسببت بتعطيل قلب فتاة. ففي المكان العام، حُوّل الونش إلى وسيلة عرض فني، ووجه رسالة مباشرة إلى جمهور عادي، عبر إبراز عبارة «قلب فتاة» في المكان العام رغم أن الفتاة في الحقيقة مخبأة داخل أسوار اجتماعية وفعلية، فكيف الحال بقلبها؟ أما سوريالية القفز عن «تنكة بيبسي» فهي نقل للبطء والبرود اللذين يكتنفان كل شيء وأي شيء. أما بالنسبة الى البشر الذين «يحتاجون إلى الحياة» المكتوبة على جدار عام فهي تنقل تويتر من العالم الافتراضي إلى العالم. وهذا العمل يقول معناه في قلبه، ولا يحتاج إلى شرح وتعليق، فهو تعليق بذاته. «المكان - الجمهور الثالث»، هو الغاليري وجمهوره، وهنا يجلب العثمان جمهوريه الأولين وسينوغرافيا المكان العام، إلى الغاليري، ليعرضها على من سيدلون أمام هذه التوليفات برأي أو بموقف، وهؤلاء من المثقفين والفنانين والمتابعين وأصحاب الرأي والذين يشاهدون العمل بفنيته الخالصة قبل موقفه. أي رؤيته كمنتج فني، قبل أن يكون رسالة. وفي الغاليري فقط يصح وصف العثمان لأعماله أنها «بحث عن اللحظات العابرة في الحياة لتوثيقها وتخليدها إلى الأبد... إنها تقديري اليومي لهبة الحياة». تنقل المحاولة التي يقوم بها هذا الشاب الأحداث بلغة مشاهديها والمشاركين فيها، وهي لغة عصرية وحديثة ومباشرة وساخرة وصادمة. اقرأ ما يصنعه الشباب السعودي في شبكة التواصل الاجتماعي وستعرف إلى من يتحدث عبدالله العثمان.