يجهد الأردن في رصف بنية تحتية لوجيستية وأكاديمية لإطلاق مشروع طاقة نووية سلمية على رغم وصول المحادثات مع واشنطن حول عقد اتفاقية تعاون نووي ثنائية إلى طريق مسدود بسبب إصرار الأخيرة على تنازل المملكة الطوعي عن حقّها في تخصيب اليورانيوم محلياً، في بلد يربض على واحد من أكبر مخزونات هذا العنصر النادر والثمين. المشروع الطموح يأتي في إطار استراتيجية أطلقها الملك عبدالله الثاني عام 2007 لتنمية الموارد المحلية – الطاقة النووية، (الصخر الزيتي والطاقة المتجددة) من اجل خفض اعتماد البلاد الشحيحة الموارد على استيراد النفط والغاز المستخدمين في توليد الطاقة ويقضمان ربع الناتج القومي الإجمالي (15 بليون دولار). وعلى رغم العقبات القادمة من حليفه الاستراتيجي الأول في العالم، يأمل الأردن، الذي يصنف 11 عالمياً لجهة احتياطيات اليورانيوم المقدرة ب 65 ألف طن وسط الأردن وحدها، في بدء العمل بأولى أربع محطات للطاقة النووية جنوب البلاد خلال عام 2019 وصولاً إلى تحول المملكة مصدّراً للطاقة بحلول 2030 بعيداً من التقلبات السياسية العالمية. قبل أربعة أشهر وقّعت هيئة الطاقة النووية الأردنية اتفاقية لبناء مفاعل بحثي في جامعة العلوم التطبيقية لغايات البحث والتدريب والدراسة الأكاديمية لتأهيل الكوادر البشرية المحلية التي يفترض ان ترفد برنامج الطاقة النووية. كما بدأت الهيئة بالتعاون مع ثلاث شركات: أريفا الفرنسية، وريو تينتو (بريطانية - استرالية) وأخرى صينية بدراسات استطلاعية في مناطق توافر خامات اليورانيوم المترامية الأطراف، لا سيما في محيط مناجم الفوسفات وسط وجنوبي البلاد. ومن المرجح أن تنجز الشركة الفرنسية دراسة الجدوى الاقتصادية نهاية العام ليبدأ بعد ذلك بناء أول منجم إلى جانب وحدة صناعية لمعالجة الخام واستخلاص الكعكة الصفراء وصولاً إلى مرحلة الإنتاج عام 2011. يجرى العمل اليوم على وضع إطار قانوني لإنشاء شركة الكهرباء النووية بعد أن أشارت التقديرات إلى أن اليورانيوم، الذي سيتم استخراجه من الفوسفات يستطيع تزويد المملكة بالطاقة الكهربائية لعقود قادمة. كان الأردن توصل إلى ثماني اتفاقيات تعاون مع دول نووية، في مقدمها فرنسا وكندا وبريطانيا وروسيا والصين وكوريا الجنوبية واسبانيا والارجنتين. وهي تغطي مجالات التخطيط، وإنشاء المناجم، والتدريب، والتعدين، ونسب الحصص وغيرها. ويجرى العمل على عقد اربع إتفاقيات مماثلة مع اليابان، وايطاليا، ورومانيا وجمهورية التشيك. لكن أياً من تلك الدول، بعكس أميركا، لم تشترط التنازل عن حق الأردن في تخصيب اليورانيوم محلياً، أو إعادة تشغيل أو تبديل العناصر النووية وإنتاج وقود نووي، وهي امتيازات وحقوق منصوص عليها في معاهدة منع الانتشار النووي التي وقّعتها المملكة قبل عقود. لذلك، أثار الإصرار الأميركي الذي قد يقوّض جزءاً مهماً من البرنامج المتعلق بالتخصيب، حفيظة الأردنيين المتحالفين مع واشنطن. الملك الأردني عبدالله الثاني اتهم إسرائيل بمحاولة عرقلة مشروع بلاده خشية «أن يتحول الأردن قوة اقتصادية في المنطقة». بعدها بأسابيع، تحدّث د. خالد طوقان، رئيس هيئة الطاقة النووية الأردنية عن تباين في وجهات النظر مع واشنطن حيال حق تخصيب اليورانيوم محلياً – معاملة تريد واشنطن تطبيقها مع دول المنطقة - ما عدا إسرائيل. صنّاع القرار السياسي، بعكس فريق التفاوض الفنّي المتشدد بقيادة طوقان، لا يريدون أن تؤثر المحادثات المتعلقة باتفاقية التعاون النووي مع واشنطن في العلاقات الاستراتيجية التي تضمن أيضاً «كفّ شر» إسرائيل عن المملكة. لذلك طلب من طوقان وقف التحدث مع الإعلام حول تلك التباينات. وانتقل ملف التفاوض الى القصر الملكي والى وزارة الخارجية من خلال الديبلوماسية الهادئة على أمل التوصل إلى «صيغة خلاقة» تلتف على الفيتو الأميركي الذي غدا «معياراً ذهبياً» بعد أن دخل ضمن اتفاقية الإمارات العربية المتحدة التي تنازلت طواعية عن حقها في تخصيب اليورانيوم محلياً حين وقعّت أول اتفاق تعاون نووي مع واشنطن قبل شهور. المفارقة أن الإمارات الغنية بالنفط، بعكس الأردن، لا تمتلك خامات يورانيوم لتخصيبها في الخارج أو الداخل. الأردن يأمل في التوصل إلى اتفاق مع واشنطن خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. وعمان تريد ضمان حقوقها مع مراعاة هواجس واشنطن، ومن ورائها تل أبيب، في شأن الانتشار النووي في المنطقة. ويفضّل المسؤولون الأردنيون والأميركيون عدم وضع جدول زمني لإنهاء المفاوضات، مع توقع توقيع اتفاق خلال ثلاثة أشهر، بحسب مسؤولين. ما يتسرب من أجواء المفاوضات يفيد بأن واشنطن لا تريد كسر ذلك الشرط حتى لا يوفّر حجّة لإيران أو أي دولة في المنطقة، لأن تطور قنبلة نووية من خلال برنامج نووي سلمي. لكن عمان تطلب معاملة مختلفة. فلكل قاعدة شواذ. إذ تؤكد أنها ستتمسك بهذا الحق حتى ولو لم تستعمله في المرحلة الحالية أو المستقبلية، لا سيما أن المسؤولين يصرّون على أنهم سيتعاقدون مع شركات عالمية من خلال طرح عطاءات لتخصيب الوقود في الخارج باستخدام خامات اليورانيوم الأردني. لكنها لا تريد توقيع اتفاق يحظر عليها إلى الأبد تخصيب اليورانيوم وتصديره، باعتباره أمل القيادة والشعب لكسر الاعتماد على المساعدات والمنح الخارجية، التي وسمت هذه الدولة الفقيرة منذ نشأتها عام 1921. موقف الأردن يتماهى مع ما تتمسك به الكويت ودول عربية أخرى منخرطة في مفاوضات مماثلة مع واشنطن. ويؤكد مسؤولون أردنيون أن الاختلاف مع واشنطن لن يفسد برنامج «وعد المستقبل». في المقابل يفضّل مسؤولون عدم التوصل لاتفاق «مجحف» مع واشنطن ولو اقتضي الأمر تأجيل بناء المفاعل الأول لسنوات ريثما تنجلي آفاق التسوية السلمية ومستقبل البرنامج النووي الإيراني. في الأثناء، تستكمل البنى التحتية وتدريب كوادر وطنية لإدارة هذا المشروع مع خبرات دولية. وتعمل عمان بشفافية وضمن مواصفات هيئة الطاقة الذرية (فيينا) التي أيدت دخول الأردن النادي النووي واعدة بتقديم المساعدة لإنجاح المشروع. من بين الضمانات التي تطرحها عمان رقابة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية على غرار أي دولة أخرى. لكن واشنطن تصر على أن حق تخصيب اليورانيوم بمثابة سيف ذي حدين في منطقة سياسية غير مستقرة: من جهة يوفر طاقة بديلة، ومن جهة أخرى يوفر إمكانية تخصيب وقود لتصنيع طاقة نووية للأغراض العسكرية. ويقول مسؤول أردني كبير: «من الأفضل أن ننتظر بعض الوقت من خلال المماطلة في إنجاز الاتفاق بدلاً من التخلي عن حقوقنا وحقوق الأجيال وبدء برنامجنا النووي بأيدٍ مربوطة ومن خلال باب مسدود». وتابع: «نحن نستحق معاملة خاصة من واشنطن لأننا دولة حليفة، ولأننا لا نمتلك نفطاً مثل الإمارات وملتزمون بالاتفاقيات الدولية». لكن ذلك شبه مستحيل بحسب كثيرين، فرئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس هوارد بيرمان الذي لعب دوراً بارزاً في تنقيح بنود اتفاقية التعاون النووي مع الإمارات يصر على أن ما قامت به أبو ظبي يوفر نموذجاً جيداً للمنطقة يجب الاحتذاء به. وبينما يشير إلى خطط أممية لتأسيس بنك دولي لتوفير الوقود النووي للاستخدامات السلمية لكل من يطلبه من دون الحاجة لوجود منشآت تخصيب داخل هذه البلاد، يؤكد بيرمان أن «الأردن بالتأكيد شريك حيوي لأميركا» وانه لا يخشى من وقوعه تحت سيطرة قوى التشدد. لكنه يرى في المقابل أنه «كلما زاد عدد الدول التي تتنازل طواعية عن حق التخصيب كانت المنطقة أكثر أماناً، بخاصة أن هناك دولاً ليس من الصعوبة أن تقع في يد المتشددين». واشنطن تنفي وجود مصالح تجارية وراء تشددها في بند حق التخصيب. فلا توجد أي شركة أميركية تعمل حالياً في عمليات استكشاف اليورانيوم الجارية بخلاف أنشطة شركات دولية أخرى. هذا إذاً، هو السقف الأميركي. ولن يستطيع الأردن اختراقه إلا إذا حصلت معجزة أو تم تبادل تفاهمات خارج إطار الاتفاقية الثنائية تساعد على حفظ ماء وجه البلدين وتعطي ضمانات أردنية بتخصيب اليورانيوم خارج الحدود لطي الخلاف حول «مفهوم نظري». ربما كانت الأمور ستختلف لو كان الأردن أول دولة عربية توقع مثل هذا الاتفاق. فمسودة الاتفاقية التي اجتازت التوقيع بالأحرف الأولى لم تتنازل عن هذا الحق السيادي. اليوم تحاول الحكومة عدم تحويل ملف المفاوضات المعلقة مع واشنطن إلى قضية رأي عام، قد تفتح الباب أمام المزايدات لا سيما أنها تعمل ضمن محددات التحالف الاستراتيجي مع الولاياتالمتحدة الذي يظل خطاً أحمر في استراتيجية الدولة العليا، وكذلك متطلبات المحافظة على معاهدة سلام مع إسرائيل، التي تعمل من فوق وتحت الطاولة لضرب حلم الأردن النووي. وقد يتحول الخطاب الرسمي لمصلحة عدم التوقف كثيراً عند حق تخصيب اليورانيوم محلياً، تسانده مجموعات ضغط بيئية تخشى من الآثار البيئية للتخصيب وضرورة توفير كميات كبيرة من المياه ضمن دورة مغلقة في أي مفاعل نووي في بلد يصنف رابعاً على سلم الفقر المائي. وقد تصبح مسألة ارتفاع تكلفة التخصيب أو نقص الخبرة، مبررات أخرى لتجاوز حق التخصيب.