اختتمت في العاصمة الرواندية كيغالي أعمال القمة الأفريقية العادية السابعة والعشرين للاتحاد الأفريقي التي عقدت تحت شعار «إعلان عام 2016 عاماً لحقوق الإنسان، مع التركيز على حقوق المرأة»، وذلك احتفالاً بالذكرى الثلاثين لدخول الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب حيز النفاذ. وشارك في القمة معظم رؤساء الدول الأعضاء في الاتحاد (54 دولة)، بالإضافة إلى ممثلي عدد كبير من المنظمات الإقليمية والدولية والدول التي لها مندوبون دائمون في الاتحاد الأفريقي. ركزت القمة على القضايا والمشاكل المثارة في أفريقيا وتقييم حالة السلم والأمن في القارة وبعض المسائل المتصلة بتفعيل بنية السلم والأمن، كعمليات حفظ السلام، والجهود المبذولة لتفعيل القوة الأفريقية الجاهزة، وتداعيات أعمال العنف في دولة جنوب السودان، وملف الأزمة البوروندية، والأوضاع في ليبيا، والنزاعات داخل القارة، والإرهاب الذي يثير اضطرابات في منطقة شمال أفريقيا والمغرب العربي على خلفية الوجود المكثف للميليشيات الإرهابية في المناطق الحدودية بين ليبيا والجزائر وتونس ومصر، وكذلك في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء والنيجر وشمال الكاميرون، بالإضافة إلى مناقشة خطط التكامل والاندماج في القارة. وشملت القمة المفاوضات الخاصة باتفاق إنشاء منطقة التجارة الحرة الأفريقية، فضلاً عن موضوعي إصلاح مجلس الأمن وانتخابات مفوضية الاتحاد الأفريقي، وكذلك موضوع تمكين المرأة الأفريقية والعمل على النهوض بأحوالها. وناقش المؤتمرون تقرير المفوضية عن الشرق الأوسط وفلسطين، وأكدوا استمرار الموقف الأفريقي الداعم للقضية الفلسطينية. عقدت أعمال القمة بالتوازي مع اهتمام القوى الدولية الرئيسية في النظام العالمي بتطوير علاقاتها مع دول القارة لتأمين مصالحها، وكذلك تصاعد اهتمامات القوى الإقليمية بتعزيز تعاونها مع دول القارة والتي يعد أبرزها جولة رئيس الوزراء الإسرائيلي أوائل تموز (يوليو) 2016 في سبع دول أفريقية، منها ست دول في حوض النيل. فضلاً عن محدودية نجاح الجهود الدولية في تحسين الظروف الصحية في القارة الأفريقية واحتواء انتشار الأمراض وعلى رأسها الإيدز، بخاصة في دول جنوب القارة، واتجاه النظم الأفريقية إلى تكثيف التعاون الأمني مع واشنطن، بالتجاوب مع مطالب تقديم المعلومات عن عناصر الإرهاب وأرصدتها المالية، بالتوازي مع السماح بتزايد الوجود العسكري والأمني الأميركي على أراضيها. وأيضاً، وجود حالة من الجمود على صعيد الجهود السياسية لإحلال السلام في إقليم دارفور، وكذلك جمود عملية التسوية السياسية في الصحراء الغربية ارتباطاً بتمسك كلا الطرفين بمواقفهما (المغرب يطالب بتطبيق مبدأ الحكم الذاتي تحت سيادته، وجبهة البوليساريو تتمسك بإجراء استفتاء لتقرير مصير الصحراويين). وجاءت مشاركة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في القمة في إطار الحرص الذي توليه مصر لتفعيل علاقاتها بكل الدول الأفريقية وتعزيز مشاركتها في العمل الأفريقي المشترك، إيماناً منها بوحدة المصير وأهمية بذل الجهود اللازمة من أجل تحقيق السلام والاستقرار والسعي إلى تسوية النزاعات في القارة، جنباً إلى جنب مع دفع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة، بهدف استعادة دورها الريادي في أفريقيا وتجاوز سلبيات المرحلة الماضية التي شهدت تراجعاً للدور المصري في الساحة الأفريقية، ما ساهم في تصاعد أدوار القوى المنافسة (إسرائيل، إيران، تركيا) وتصاعد التنافس الدولي على ثروات القارة الأفريقية. أبرز النتائج وتمثل أبرز نتائج القمة في إصدار عدد من القرارات، منها تأكيد استمرار الموقف الأفريقي الموحد في ما يتعلق بإصلاح عضوية مجلس الأمن الدولي وتوسيعه وفقاً لتوافق أوزوليني - الضي يقضي بوجود دولتين أفريقيتين دائمتي العضوية تملكان كل الصلاحيات، بما فيها حق النقض، وخمس دول غير دائمة العضوية. وكذلك قيام المفوضية بإعداد خريطة طريق لمتابعة المفاوضات الخاصة بالتكامل الأفريقي وعرضها على قمة أديس أبابا في كانون الثاني (يناير) 2017، وإعداد رؤية لإنشاء منطقة للتجارة الحرة وفقاً لما أُقرّ خلال القمة الثالثة للتجمعات الاقتصادية الثلاثة «الكوميسا - السادك - تجمع شرق أفريقيا» التي عقدت في شرم الشيخ في حزيران (يونيو) 2015. وتقرر إطلاق جواز السفر الإلكتروني الخاص بالاتحاد الأفريقي، وهو مشروع رائد لأجندة أفريقيا 2063، هدفه تسهيل انتقال الأشخاص والبضائع والخدمات في أرجاء القارة، لتوطيد التجارة البينية والتكامل والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتتضمن المجموعة الأولى من المستفيدين من هذا الجواز رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي، ووزراء الخارجية، والممثلين الدائمين لدول أعضاء الاتحاد الأفريقي. ولوحظ الترحيب بعودة المغرب إلى الاتحاد بعد غياب استمر 32 عاماً. وكانت الرباط انسحبت عام 1984 من منظمة الوحدة الأفريقية ولم تنضم إلى الاتحاد الأفريقي بعد قبول المنظمة عضوية «الجمهورية العربية الصحراوية»، التي أعلنتها جبهة البوليساريو من جانب واحد عام 1976، واعترف بها بعض الدول في شكل جزئي، لكنها ليست عضواً في الأممالمتحدة. وأكدت القمة احترام حقوق الإنسان وتمكين المرأة الأفريقية والمساواة بين الجنسين ودعم الشباب والتنمية المستدامة، ودعم الطلب المصري ترشيح السفيرة مشيرة خطاب لرئاسة اليونسكو، وتأجيل انتخابات رئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي وبقية المفوضيات التابعة للاتحاد، والتي كانت تنافس فيها مصر على مقعدين، ارتباطاً بعدم حصول أي من المرشحين الثلاثة لمقعد الرئاسة على النصاب القانوني، وهو ثلثا الأعضاء، وذلك حتى موعد قمة أديس أبابا. وتقرر إنشاء صندوق لمكافحة الإرهاب. وختاماً، فإن مجمل نتائج القمة الأفريقية تعكس مجموعة من الدلالات، أبرزها استمرار التوافق الأفريقي تجاه قضية توسيع مجلس الأمن الدولي، والتمسك باتفاق «أوزوليني»، واتسام معظم القرارات الصادرة عن القمة بالعمومية وافتقادها عنصر الحسم والوضوح تجاه بعض القضايا المهمة. يضاف إلى ذلك محدودية فرص تفعيل القرارات التي أسفرت عنها القمة في ضوء التحديات الرئيسة التي تواجهها القارة، بخاصة الأمنية والاقتصادية، ارتباطاً باستمرار النزاعات التي تتراجع معها فرص الاتفاق على تحديد آليات لتحقيق المصالح المشتركة. ومن تلك الدلالات، استمرار تعارض مصالح الأطراف الخارجية داخل القارة، وتنافس القوى الكبرى على مناطق النفوذ والمصالح لخدمة أهدافها، وتقديم الأطراف الأفريقية مصالحها الوطنية على المصلحة القارية، وضعف التكامل في استغلال الموارد ،الأمر الذي يتطلب تطوير البنية التحتية وزيادة التعاون بين التجمعات ومراكز البحث المعنية على مستوى القارة، إلى جانب الانعكاسات السلبية لمحدودية التنسيق والتعاون بين التجمعات الاقتصادية الإقليمية ارتباطاً بصعوبة التوفيق بين أهداف هذه التجمعات والأهداف القارية. * كاتب مصري