«تشارلي شابلن في صنعاء» هذه ليست طرفة بل حدث عاشته، العاصمة اليمنية صنعاء، الأربعاء الماضي في وقت تبدو الحرب وقد حولت مدن اليمن الى ما يشبه الكهوف السياسية والثقافية. في مقهى يقع بالقرب من مبنى جهاز الأمن السياسي (المخابرات) في صنعاء حضر عشرات الشبان من الجنسين عرضاً لفيلم «اضواء المدينة» من تمثيل وإخراج الممثل البريطاني الراحل تشارلي شابلن وهو العرض الذي دشنت به مؤسسة صوت للتنمية والثقافة المرحلة الثانية من برنامج عروضها السينمائية التي انطلقت مرحلته الأولى في 2015. ويحاول شبان يمنيون لم ينخرطوا في جبهات القتال كسر الأجواء الكئيبة والخانقة التي فرضتها سيطرة ميليشيا الحوثيين وصالح على صنعاء ومحافظات يمنية. كما شهدت صنعاء، الخميس الماضي حفلة موسيقية وعروضاً سينمائية نظمها المنتدى العربي للفنون التشكيلية. وتقول الناقدة والناشطة المدنية هدى جعفر ل «الحياة» إن عرض فيلم تشارلي تشابلن في صنعاء يكتسب دلالة كبيرة ليس لأن شابلن مثل صوت المدنيين الغائبين من حسابات المتحاربين بل لأن صنعاء كانت مثل كثير من المدن اليمنية عُرضة للمد الديني ما حرمها من الفنون والاحتفاء بها، معتبرة تمسك الناس بممارساتهم اليومية كما كانت عليه قبل الحرب نوعاً من المقاومة. ووفق رئيسة مؤسسة صوت الثقافية، سماح الشغدري فإن الثقافة هي الأداة التي يمكن ان تجمع كل الناس بمختلف اطيافهم وانتماءاتهم. وذكرت الشغدري ل «الحياة» أن مؤسستها تسعى من خلال هذه العروض الى توعية الشباب بأهمية قضايا ملحة مثل التعايش والتنوع والسلام ونبذ العنف والتطرف. وتسببت الحرب الأهلية التي تشهدها البلاد على خلفية انقلاب مسلح تنفذه منذ ايلول (سبتمبر) 2014 ميليشيا الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح في قتل آلاف المدنيين وتدمير كبير في العمران خصوصاً في مدينتي تعز وعدن. ومع ذلك يبقى «الخراب الروحي أسوأ افعال الحرب» كما يقول همام حسين (23 سنة) الطالب في جامعة صنعاء الذي يضيف «إن نسف ثقافة التعايش والحوار ونكوص الوعي الجمعي الى مراحل غابرة مثل إحياء الصراع القديم بين علي بن ابي طالب ومعاوية بن ابي سفيان هو الأثر الأكثر تدميراً للروح اليمنية». وبدا أن عرض فيلم «اضواء المدينة» الذي أنتج في 1931 يعبر عن اللحظة اليمنية الراهنة. وتلفت هدى جعفر الى تشابه الوضع العالق لشخصية تشارلي تشابلن في الفيلم والوضع الراهن لليمن. ويوصف فيلم تشارلي شابلن الصامت بأنه «سخرية رائعة من الحروب ومن قسوة الحياة». ويتهكم الفيلم على الشعارات المبشرة بالسلام والرفاهية. ويعبر وائل جميل وهو احد الشبان الذين حضروا العرض عن سعادته بالعرض واصفاً الفيلم بأنه حضور للفن في زمن الموت. وتفرض مليشيا الحوثيين وصالح التي تسيطر على صنعاء ومعظم المحافظات الشمالية نظاماً دينياً شمولياً شبيهاً بما طبقته حركة طالبان في افغانستان. وإضافة الى جرفها للمؤسسات الثقافية والإعلامية المعارضة واعتقال المناوئين لانقلابها، تفرض حركة انصار الله (الحوثيون) المدعومة من ايران نمطاً خاصاً بها يخالف التنوع الثقافي والفني لليمن. وعلى سبيل المثال استبدلت الحركة الأكثر تطرفاً في المذهب الزيدي، مكتبة الأغاني اليمنية على موقع إذاعة صنعاء على الإنترنت بمجموعة من الزوامل وهي أناشيد قبائلية حربية. وتتهم ميليشيا انصار الله بتمجيد العنف والتماهي مع الفاشية. وسبق وأجبرت بعض ابناء الطائفة اليهودية على ترديد شعارها المعروف (الموت لأميركا. الموت لإسرائيل. اللعنة على اليهود) الذين صار اليمن خالياً منهم بعد تهجير ما تبقى منهم الى اسرائيل. كما نشرت انصار الله «شريط فيديو مدبلج يظهر الزعيم النازي ادولف هتلر وهو يشيد بقوة الحوثيين ويحذر العالم من الاستهانة بها». وتقدم مؤسسة «صوت» عروضها مجاناً وبدعم من السفارة الهولندية في اليمن. في حين بلغت قيمة بطاقة حضور الحفلة الموسيقية السينمائية التي نظمت في احد المراكز التجارية 1200 ريال (حوالى 4 دولارات).