«... لأننا وُلدنا وفُطرنا، على ما هو أبعد من محبة العائلة الرحبانية وتقديرها واحترامها... لأننا في الواقع، وبكل دقة وموضوعية، نعشقُ تلك العائلة، ونقدِّس نتاجَها، ونكاد نعبدُ تراثها... ولأننا كذلك، نرفضُ أن نكونَ شهوداً على كل ما يناقضُ تلك الصورة في وجداننا وذاكرتنا. نرفضُ أن نشاركَ في ما يسيءُ الى صورةِ جبال الصوان، والمحطة، وفخر الدين، والبعلبكية... وإلى تاريخِ وطنٍ كاملٍ، نُسج بالنغم والكلمة... نرفض أن نكونَ جزءاً من حملة التحريض على ذاتنا، من هنا أو من هناك... ونرفضُ أن نذكُرَ تلك العائلة، إلا كما نريدُ للتاريخِ أن يذكرَها بكلماتٍ ثلاث: موحَّدة، مبدِعة، وخالدة (...)». لكل تلك الأسباب «قررت «أو تي في» مقاطعة الاعتصام الذي أقيم اليوم، تحت شعار التضامن مع السيدة فيروز». لا تشبه مقدمة نشرة أخبار قناة «أو تي في» هذه، مقدمات نشرات أخبار المحطات اللبنانية الأخرى مساء أول من أمس. فهي، وإن شاركت زميلاتها تقديم خبر اعتصام الفيروزيين على الأخبار السياسية المتأزمة في البلد نتيجة التجاذب حول المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وموقف «حزب الله» منها (باستثناء قناة أو قناتين)، فإنها خرجت عن المسار الطبيعي لتغطية الخبر... وعرفت ب «اللا تغطية» كيف تسجّل موقفاً لعله أبرز المواقف وأفضلها. واللافت انه على قلة ما يمكن لمحطة تلفزيونية لبنانية أن تنفرد في نشرات أخبارها بموقف إيجابي في هذا الزمن الإعلامي الصاخب الذي يشبه بعضه بعضاً، عرفت محطة «أو تي في» اللبنانية، كيف تنفرد، ولو في موقف يمكن كثراً أن يروا فيه انه «يساوي القاتل بالمقتول» (كما جاء في تعقيب أحد المشاهدين على موقع «التيار الوطني الحرّ»)... لكنّ كثراً أيضاً يرونه موقفاً حكيماً، صائباً وإنسانياً. فالقرار الذي ينسجم وقرار سبقه بمقاطعة بيانٍ مضاد، صدر عن أبناءِ منصور الرحباني، يعبّر عن لسان حال كثر من عشاق فيروز والرحابنة آلمهم أن ينحدر تاريخ عمالقة ساهموا في كتابة الوجه المضيء للبنان الى مستوى المحاكم من أجل حفنة من الدولارات. حفنة من الدولارات تشكل العالم النقيض لعالم الرحابنة العابق بالقيم الإنسانية، أو كما قال الباحث فواز طرابلسي في كتابه «فيروز والرحابنة»: «كل قصة المسرح الرحباني تكمن في الاختلاط والالتباس بين القيم الأخلاقية والمعنوية وبين الكنوز المادية(...). فيروز (أعجوبة الصوت) كما سميت - هي، على المسرح، صوت لأعجوبة، سوف نسمعه و(نشاهده) يجترح الأعجوبات ويستدعيها استدعاء»... كلام يشاطره إياه اليوم كثر ممن تربوا على صوت فيروز وأغنيات الرحابنة، متمنين لو يعود زمن المعجزات.