هل كانت مصادفة أن تكون ليلة عرض حلقة «تحت الرماد» في مسلسل «سيلفي2» موعداً لأن تتحول تفاصيلها إلى حقيقة تهز المجتمع السعودي بقوة، أم هي حادثة تكررت وستتكرر ما دام للفكر «الداعشي» وجود في مجتمعاتنا؟ فهذا التنظيم الذي لا يؤمن بحرمة نفس ولا شهر ولا إنسانية أو مكان جعل من شهر رمضان موعداً لتنفيذ جرائم عدة، بدأها بتفجير المصلين الصائمين، واختتمها فجر أمس (الجمعة) بجريمة قتل توأم لأمهما وإصابة أبيهما وأخيهما الأكبر بإصابات بالغة. وقعت الحادثة في ساعات الفجر الأولى بحي «الحمراء» في الرياض، بعد أن أقدم التوأم على طعن أمهما أكثر من طعنة، قبل أن يقوما بنحرها بدم بارد، متجردين من أبسط ملامح الإنسانية، وقبل أن يصيبا أباهما وأخاهما بإصابات بالغة، أُدخلا على إثرها للعناية المركزة، وهما في وضع صحي حرج. هرب المجرمان من موقع الحادثة ليكملا جريمتهما بطعن سائق من الجنسية الفيليبينية ويأخذا سيارته ليهربا بها، إلا أن يقظة رجال الأمن وحرفيتهم العالية في التعامل مع الإرهابيين جعلت وقت اعتقالهما قياسياً. التحقيقات معهما تسفر عن قنوات التحريض، وتفخيخ الفكر، والدوافع التي جردتهما من إنسانيتهما، لتكون صحيفة المبايعة لأمير تنظيم «داعش» بدم الأم والأب والأخ، قبل أن يحاولا الهرب للحدود اليمنية والدخول ضمن عناصر «داعش» على تلك الأراضي. ويرى مراقبون أن منذ اللحظات الأولى التي أفتى بها «داعش» أن «قتل الأقارب مهما كان ترتيبهم مقدم على النفير»، ولا تزال مشاهد متداولة لقياديين في ذلك التنظيم تؤكد وحشية هذا الفكر، حين وجه أحدهم أن «لا رحمة ولا هوادة ولا تراجع من قتل المشركين، وعلى رأسهم أقرب الأقارب، حتى وإن كانا الأبوين»! واعتبروا أن هذه الفتوى ستكون «بداية النهاية لهذا التنظيم»، لكون ما يدعون إليه بعيد كل البعد عن الإسلام والإنسانية، ويزعزع قناعات من ينوون الانضمام إليه، لكون الحس الإنساني يرفض إيذاء الأبوين. والتساؤلات تشير إلى أهمية تتبع الفتاوى التي تحرض على القتل بصورة عامة وقتل الأقارب بصورة خاصة، ومحاولة تصحيح المسار. ولم يتورع التنظيم عن بث خطب وتسجيلات تدعو المتعاطفين معه إلى «البراءة من أهلهم وذويهم»، بل وحتى قتلهم، بدعوى كاذبة تنطوي تحت «المعروف والنصرة وتطبيقاً لشريعة الولاء والبراء، ومن المعروف الذي جاء في القول المأثور «الأقربون أولى بالمعروف»، وتحديد القتل بالأهالي المنخرطين في السلك العسكري خطوة أولى، إلا أن هذا «الأولى» تعدى ليكون الأهالي جميعهم مستهدفين»! ويرى مغردون على «تويتر» أن دواعش الداخل أشد خطراً من دواعش الخارج، معللين ذلك لكون دواعش الداخل يعيشون في بيوتنا وقريبين منا، ولا يظهر عليهم أي دافع للجريمة، وهذا ما أكدته حلقة «سيلفي2» التي عرضت أول من أمس (الخميس) على قناة إم بي سي، وحملت عنوان: «تحت الرماد»، بعد أن كان الأب والخال يغدقون بشكوكهما على الابن الملتزم (دينياً)، بينما الأخ الثاني (الغير متدين) كان خارج دائرة الشك، لتنتهي الحلقة بقتلهما على يد الابن «غير المتدين» الذي بايع زعيم تنظيمهم الضال أبابكر البغدادي أمام كاميرا الجوال قبل أن يفرّغ رصاصات سلاحه في جسدهما. ولم تكن حادثة قتل الأخوين التوأم لأمهما وإصابة أبيهما وأخيهما هي الأولى في سلسلة جرائم التحريض على قتل أقرب الأقارب، ولن تكون الأخيرة، بحسب المؤشرات التي تشير إلى أن هذا الفكر متغلغل وموجود في مجتمعات عربية عدة، والتنظيم يعزف عليه عزفاً مكثفاً وبطرق متعددة، تحت دعوى «من لم يستطع الجهاد معنا في مواطن الصراع، فليجاهد من بيته بسفك دماء الأقارب المشركين» - بحسب زعمهم -! وسجلت هذه الحادثة صوراً خارجة عن الإنسانية والدين، كان من أبرزها وقوعها في شهر الله رمضان، وفي حق «أم» انتهت من صلاة التراويح قبل أن تنتهي من إعداد وجبة السحور لأبنائها، والتساؤلات تدور: عن أي جنة يبحث هؤلاء إذا كانت الجنة تحت أقدام الأمهات؟ وتداول مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي صوراً للمجرمين بعد اعتقالهما، إذ كانا متشابهين في كل شيء، حتى في الألم والخوف والحسرة التي غطت وجهيهما، ولسان حالهما يقول «لماذا لم ننجح في الهرب؟ لماذا نفذنا هذه الجريمة»؟ وصور ذكريات الطفولة تلاشت أمام صور تفاصيل تنفيذهما لجريمتهما الشنعاء. لم تكن هذه المرة الأولى التي يحتفي بها التنظيم الإرهابي بإقدام أحد عناصره بقتل والديه «المشركين» بحسب زعمه، فلا يزال مشهد قتل الابن السوري لوالدته التي وصفها التنظيم ب«المرتدة» بعد أن أبلغ عنها ابنها العاق بأنها تحرضه على الهرب من التنظيم، ليتقدم في ساحة الإعدام ويضع مسدسه على رأس والدته التي كانت هادئة بحجم الحسرة والألم الذي كان ينتابها على ابنها، وبإصبعه أطلق رصاصة اغتالت حياة أمه، ليسير وسط المتجمهرين متبختراً بما قام به ويزف ب«التكبير»! ولم تمنع حرمة شهر رمضان هؤلاء من الاغتيال والتفجير، ولهم موعد بداية الشهر بتفجير مسجد الصادق في الكويت وإزهاق أرواح مصلين صائمين العام الماضي، وقتل شقيقين لابن عمهما أول أيام العيد، وفي هذا العام لم يمضِ على منتصف الشهر إلا يومان ليوقّع ولدان صك الجحيم بقتل والدتهما! ويعلن التنظيم بهذه الأحداث أن لا حرمة لشهر ولا لمكان ولا لأية قرابة، مستحدثين بذلك ديناً جديداً لا يؤمن بما ورد في القرآن الكريم الذي شدد على مصاحبة الوالدين في الدنيا بالمعروف، حتى وإن جاهدا في الإشراك بالله، وهو أكبر الكبائر.