أصيب الناس بوجع كبير وحزن مرير جراء ما حدث فجر الجمعة في الرياض عندما قام أخوان توأمان في ال18 من العمر بالإجهاز على أمهما طعنا ثم والدهما وشقيقهما اللذين أنقذهما الله من الموت في ذات اللحظة والمكان. كانت هذه الحادثة البشعة الموضوع الرئيسي في مواقع التواصل، وكانت الصدمة العنيفة ماثلة في كل التعليقات على الحادثة، ولكن إذا أردنا الحديث بموضوعية وواقعية علينا أن نسأل أنفسنا هل كانت مثل هذه الحادثة مستبعدة وغير متوقعة أبدا بعد الجرائم التي قتل فيها الأب والخال وابن العم بشكل سادي ودم بارد؟. صحيح أن الأم دخلت للمرة الأولى قائمة التصفية كأشنع ذنب يمكن لبشر ارتكابه، ولكن الدافع الذي يجعل شخصاً يقتل والده أليس قادرا على الوصول به أو بغيره إلى قتل أمه. إن حالة العدمية العمياء التي تصل إلى سفك الدم المشترك بين القاتل والضحية لا تميز ولن تتردد طالما وصلت إلى هذا الحد. لقد تم وسم الشقيقين القاتلين فجر الحادثة بوصف الدواعش في مواقع التواصل رغم عدم وجود معلومة رسمية مؤكدة في ذلك الوقت، وذلك متوقع وطبيعي استنادا إلى الجرائم السابقة المماثلة وطبيعتها، وربما من هيئة وسيماء الشابين كما أظهرتهما صورة لهما، لكن ما جعل الجميع يطلق عليهما صفة الدواعش دون تحفظ هو أننا لم نعهد جرائم قتل الأهل والأقارب بهذه الطريقة وبشكل متكرر إلا بعد أن أصبحت جزءا من أدبيات الفكر التكفيري الذي أصبحت داعش تمثل أسوأ وأحقر نسخة له. وكالعادة تفاعلنا مع الحادثة بطريقة رد الفعل العاطفي الجياش الذي يخبو بعد وقت قصير ثم يبقى الحال على ما هو عليه حتى تصدمنا حادثة جديدة فنعود مرة أخرى إلى قاموس الشجب والاستنكار. هذه الظاهرة المدمرة التي وصلت هذا الحد يجب أن تجعل كل مؤسسات الدولة والمجتمع تعلن حالة استنفار لسبر أغوارها وقطع دابر أسبابها من جذورها، فهذان الشابان وأمثالهما هم نتاج تعليمنا وتربيتنا ومجتمعنا ولم يأتيا إلينا من عالم آخر، وحتى لو كانت هناك عوامل خارجية تحريضية وتجنيدية للفكر التكفيري فإنها لن تنجح كثيرا لو كانت البيئة المحلية الحاضنة خالية من فيروسات هذا الفكر المتفشية منها والكامنة، والتي يتطلب القضاء عليها هدم كل مقومات التراث التكفيري وأسسه ونظرياته وأدبياته تجاه أي طرف أو طيف أو طائفة أو معتقد. نحتاج بالضرورة إلى حملة تطهير شاملة قبل أن يتآكل مجتمعنا بفعل خلاياه السرطانية التي إذا لم يتم استئصالها فإنها سوف تستشري إلى حد لا يمكن السيطرة عليها فنسقط جميعا في هاوية سحيقة يصعب الخروج منها. [email protected]