قضت محاكم المغرب بأحكام مع وقف التنفيذ في حق مرتكبي الغش في امتحانات البكالوريا، حيث اكتفت بإصدار أحكام بالسجن شهراً مع وقف التنفيذ وغرامة لا تتعدى 500 درهم، باستثناء طالب ساعد التلاميذ، قضت في حقه ابتدائية فاس بشهر حبساً نافذاً وغرامة 5000 درهم. وكانت وزارة التربية الوطنية قد كشفت أنها ضبطت 3048 حالة غش، واتخذت إجراءات إدارية وتأديبية تجاه عدد من المسؤولين المتدخلين في تدبير الامتحان، وذلك بسبب تهاونهم في التنفيذ الحازم لإجراءات زجر الغش. وعلى رغم الإجراءات التي اتخذتها الوزارة المعنية ضد المساس بمصداقية البكالوريا المغربية التي ستعلن نتائجها يوم الأربعاء 22 الجاري، لما يقرب نصف مليون مرشح، إلا أنها لم تحقق بعد نتائجها وفق المتتبعين الذين يعيبون على المنظومة التربوية فشلها وضبابية استراتيجيتها على مدى تعاقب الحكومات وسياستها الضعيفة في القطاع التعليمي. وكانت السلطات المغربية، قد أوقفت 53 شخصاً في كافة المدن المغربية، للاشتباه بتورطهم في عمليات الغش وتسريب امتحانات البكالوريا. وذكر بيان صحافي لمديرية الأمن أنّه تمّ توقيف 22 شخصاً كانوا يديرون صفحات ومواقع للدردشة على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل تسريب مواد الامتحانات، وتوفير الأجوبة الخاصة بها مقابل مبالغ مالية، مضيفاً أنه تم أيضاً توقيف 31 طالباً وطالبة بتهمة الغش في الامتحانات. كما كشفت الشرطة القضائية المغربية أن عمليات التفتيش أسفرت عن حجز معدات معلوماتية ودعامات إلكترونية كانت موجهة لتسهيل عمليات الغش. وكان رشيد بلمختار، وزير التربية المغربي، وجّه رسالة قوية إلى طلاب البكالوريا، مهدداً من يتم ضبطه متلبساً بالغش بمنعه من دخول الجامعات والمدارس العليا. ووافق مجلس النواب أخيراً وبالإجماع، على مشروع قانون يتعلق بزجر الغش في الامتحانات المدرسية. وطالبت الجمعية المغربية لحقوق التلميذ/ة بإطلاق سراح جميع التلاميذ المعتقلين لأسباب مرتبطة بالغش، وإلغاء المتابعات في حقهم، والاكتفاء بالعقوبات الإدارية والتربوية، وذلك عقب حملة الاعتقالات التي طالت مجموعة من التلاميذ بسبب «تورطهم» في الغش. واعتبرت الجمعية، في بيان لها أن «اعتماد المقاربة الأمنية وترهيب التلاميذ بالاعتقال مقاربة غير سليمة على الإطلاق تربوياً وقانونياً، فالتلميذ ما زال قاصراً، وهو ضحية لاختلالات المنظومة التربوية ومنها «إنجاح التلاميذ دون مستوى حقيقي، وتضخيم نقط المراقبة المستمرة، والخصاص (النقص) الكبير في الأساتذة، وتعليم يعتمد على الجانب المعرفي، وتقويم يركز على الذاكرة». وحذرت الجمعية من اعتقال التلاميذ بسبب الغش لأن ذلك «قد يجهز على مستقبلهم، ويولد لديهم الحقد تجاه المدرسة والمجتمع، كما أن اعتقالهم في ظل الوضع الحالي للسجون سينجم عنه إنتاج مشروع مجرم أو مجرم حقيقي». واسترسل المصدر ذاته بأن «ظاهرة الغش مستشرية في المدرسة والمجتمع والدولة على السواء، لذلك فتحميل المسؤولية للتلميذ فقط إجحاف في حقه، لأن الساهرين على تربيته وتدريسه ليسوا ملائكة، بل يتحملون الجزء الكبير من المسؤولية في مخرجات هذه المؤسسات التربوية»، مضيفاً: «هناك تطبيع تدريجي في المجتمع مع الغش لدرجة أصبح الغشاش غير محرج بالتباهي بممارساته من أجل الحصول على مكاسب شخصية، مثل التهرب الضريبي، والغش في الانتخابات، واحتلال السكن، والغش في الصفقات»، مشيراً إلى أن «زجر الغش في فترة الامتحانات فقط هو مقاربة تجزيئية للظاهرة». ودعت الجمعية الوزارة إلى «المراجعة الجوهرية للمناهج والبرامج ونظام التقويم، واعتماد مقاربات حقوقية وبيداغوجية حديثة وفعالة تشجع التلاميذ على الإبداع والابتكار والإنتاج، وتقطع مع منطق الكم والذاكرة، وعلى تبني القيم الوطنية والإنسانية الفاضلة». في المقابل، تسعى الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم (2015- 2030) التي بلورها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، إلى إرساء أسس مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء، من شأنها أن تحقق غايات تكوين مواطن نافع لنفسه ولمجتمعه، والاستجابة لمتطلبات المشروع المجتمعي المواطن الديموقراطي والتنموي، وكذلك الإسهام في انخراط البلاد في اقتصاد ومجتمع المعرفة، وتعزيز موقعها في مصاف البلدان الصاعدة، والتمكن من التكنولوجيات الرقمية وتشجيع التميز والتفوق.