في مدن الحجاز كانت لشهر رمضان عادات وتقاليد وطقوس تقام من العام للعام، ولعل مكةالمكرمة أكثر المدن الحجازية روحانية في ذلك الشهر، إذ اعتاد سكان حارتها القديمة على طقوس معينة، وعادات لا تختلف عن عادات المدن القريبة منها، ولكن الحارة «المكاوية» في القديم كانت تزين بالأعلام والأنوار عند إعلان دخول الشهر الكريم. وتشهد الحارات تنصيب الألعاب الرمضانية والبسطات البليلة والكبدة في جميع أزقتها، إضافة إلى نصب «مركاز العمدة» وسط الحارة، إذ هو ملتقى أعيانها وسكانها طوال الشهر. واعتاد سكان مكةالمكرمة الإفطار على صوت المدفع، الذي افتقده الكثير منهم في الأيام هذه، ممن عاصروا وعاشوا في الحارات القديمة. يقول المؤرخ والمهتم بالتاريخ المكي طارق سندي ل«الحياة»: «كنا نفطر ونمسك على صوت المدفع، ولا نتسحر إلا على صوت المسحراتي، الذي كان يطوف جميع أزقة الحارة بطبلته لإيقاظ سكانها للسحور، وهو يردد: (اصحى يا نايم، سحورك يا صائم وحد الدايم، رمضان كريم، تسحروا فإن في السحور بركة)». ويضيف سندي: «تصبح الحارة في أيام رمضان خلية نحل، تبدأ الحركة فيها بشكل كبير في وقت العصر، عندما تبدأ الجارات كل واحدة منهن في إرسال أطباق من وجبات إفطارهن إلى جارتها، وتصبح مائدة الإفطار خليطاً من جميع كل ما طبخ في بيوت الحارة». ويستطرد: «كان مما يميز تلك الموائد تخبير أكواب الماء بالمستكة، إضافة إلى شراب السوبيا والتمر الهندي الحمر»، وزاد: «مائدة الإفطار لا تتغير مكوناتها في جميع بيوت الحارة، إذ إن طبق شوربة الحب هو الأساس، وبجانبه السمبوسة وطبق الفول، وخبز الشيرك، إذ لم نكن نعرف التميس قديماً، وأطباق الحلويات مثل الططلي (الكاستر) والمهلبية والسوقدنا». ويتابع: «أما السحور فكان عبارة عن إدامات سواء البامية أم الملوخية أم الفاصوليا والبطاطس، والرز بالعدس، ولا تقدم الشوربة في طعام السحور نهائياً». وأوضح أن أهالي الحارة كانوا ينصبون «البسطات» المتخصصة في بيع «البليلة» والكبدة، إضافة إلى بسطات التوت المثلج والبطاطس، التي تمد من الحارة إلى الحرم المكي الشريف، وهي الطعام الذي كانوا يتناوله بعد الانتهاء من صلاة التراويح في الحرم المكي الشريف. وفي الحارة وبحسب سندى، كانت تنصب الألعاب وأهمها «المريجية» و«الليري»، إضافة إلى لعب الأطفال عدداً من الألعاب الرمضانية مثل «حرمي عشي ضرة وزانه»، وقال: «في النادر كنا نلعب الكرة، خصوصاً أن ثمنها كان مرتفعاً علينا، وكنا نفضل الألعاب الرمضانية البسيطة». ومن المشاهد التي لا تزال في ذاكرة سندي عن حارته القديمة «مركاز العمدة»، وتجمع أبناء الحي بعد صلاة التروايح في ذلك المركاز: «كان العمدة هو كبير الحارة، وهو يعمل على توزيع الصدقات على فقرائها، إضافة إلى الإصلاح بين سكان الحارة في حال حدوث خلافات». ويشير إلى أن الحارات المكية في القديم كان يشبه بعضها بعضاً من حيث الزينة التي تملؤها، إضافة إلى تزيبن البسطات بأقمشة من اللون الأبيض والأخضر، وبالأنوار التي كانت تضيء جميع الجوانب.