يحمل أحدث فيلم يؤدي بطولته النجم الأميركي ميل غيبسون عنوان «أب دموي»، وهو من إخراج الفرنسي جان فرنسوا ريشيه، وينتمي إلى لون الحركة والمغامرات العنيفة. وكان غيبسون قد عاد إلى واجهة الساحة الفنية في 2012 بفيلم «ذي بيفر» الذي أخرجته جودي فوستر، إثر غياب استمر سنوات عدة وأعقب سطوع نجمه في أفلام دخلت تاريخ السينما مثل «ماد ماكس» و«سلاح قاتل» بأجزائها المتعددة، إضافة إلى كون غيبسون قد أخرج ثلاثة أفلام بنفسه. وإذا كان النجم لا يحبّذ التحدث إلى الإعلام عن نقاط ضعفه، خصوصاً عن الأسباب التي أبعدته فترة عن الشاشة، فلا بد من أن نذكر أن هوليوود أدارت له ظهرها بعد اتهامه أمام القضاء بضرب زوجته وإساءة معاملتها. وأتت صديقته منذ سنوات طويلة جودي فوستر، لتكسر هذا الحذر المحيط به مانحة إياه أحد أجمل أدواره الدرامية. وفي مناسبة عرض فيلم «أب دموي» أمام الإعلام، التقت «الحياة» غيبسون في باريس وحاورته: حدثنا عن فيلمك الجديد «أب دموي»؟ - يروي الفيلم مغامرات جندي وشرطي سابق عاش ألف حكاية وحكاية في الجيش ثم في الشرطة وكوّن لنفسه سمعة مخيفة، بسبب عنفه تجاه أعدائه، إلى أن قرر اعتزال العمل والتقاعد بعيداً عن أجواء أعماله السابقة، فاقتنى مزرعة في مكان ريفي معزول يعيش فيها بمفرده. لكن ها هي ابنته تأتي لزيارته طالبة منه النجدة لأن هناك عصابة من تجار المخدرات تلاحقها، مهددة إياها بالموت إثر إكتشافها أحد أسرارهم بمحض الصدفة. وسيغير هذا الحدث حياة المتقاعد مرة جديدة حيث سيستعد لاستقبال العصابة في مزرعته بما أن الأشرار تابعوا خطى ابنته من دون أن يعرفوا من هو والدها. ويسمح لي هذا الفيلم الذي أخرجه جان فرنسوا ريشيه، الفرنسي المقيم في هوليوود، باستعادة علاقتي مع لون المغامرات بعدما ابتعدت عنه سنوات طويلة. بنيتَ نجاحك السينمائي في أول الأمر على لون المغامرات إياه وعلى قدراتك الرياضية وذلك في سلسلة أفلام «ماد ماكس»، فكيف عشت هذا الأمر في حينه؟ - شعرت فور نجاح فيلم «ماد ماكس»، وأعني الجزء الأول، بالفرح والخوف معاً، الفرح بالعمل في السينما، أي تحقيق حلمي الأساس، والخوف من التخصص في أدوار تحتاج إلى مهارات رياضية فحسب وبالتالي مبنية على جسمي أكثر من عقلي أو موهبتي الفنية، ما كان في إمكانه أن يجعل عمري الفني أكثر من قصير إذا أخذنا في الاعتبار عدد الأفلام التي تدور حبكتها حول بطل يركب الدراجات النارية ويقاتل مثل «ماد ماكس». هل أدركت إذاً ما هو شعور الممثلات اللواتي لا يتم اختيارهن إلا لأنهن صاحبات ملامح جذابة؟ - كلياً، وفهمت أيضاً مدى صعوبة التخلص من صورة تلتصق بالفنان منذ بداية حياته الفنية، ولا شك في أن الممثلات الجميلات يعانين إلى حد كبير هذه المشكلة. لكن الأمور تطورت في الآونة الأخيرة بفضل التقدم الذي أحرزه المجتمع في شكل عام تجاه المرأة، ثم التغييرات التي طرأت على العقلية الهوليوودية، خصوصاً في هذا الصدد. أما عن نفسي فقد رفضت في ما بعد ثلاثة أفلام رياضية حتى أتفادى فخ التخصص، لكني لم أرفض المشاركة في الأجزاء المكملة للعمل الأول. وعرفت في ما بعد كيف أنتظر فرصة جديدة أثبت من خلالها مهارتي في مجال غير الرياضة، فعثرت على دور الشرطي الشجاع والمرح في آن معاً في فيلم «سلاح قاتل» المبني بدوره على المغامرات، إلا أن شخصيتي فيه تميزت بناحية لم تكن متوافرة في «ماد ماكس». فأنا في الحبكة أشهد اغتيال زوجتي وأتصرف مثل أي زوج وأب مسؤول وليس مثل مجنون لا يسعى إلا للانتقام، وهنا أيضاً تسبب نجاح الفيلم في تصوير أجزاء مكملة له. وأعتقد بأن الناحية الإنسانية من شخصيتي السينمائية في سلسلة أفلام «سلاح قاتل» جذبت إلي فئة جديدة من الجمهور لم تكن تهتم بي من قبل، وهي الفئة النسائية. أنت هنا كسرت صورة الممثل الرياضي إذاً ووضعت محلها صورة محطم قلوب النساء، أليس كذلك؟ - نعم، ولكني أيضاً لم أفرح كلياً بل انتابني خوف التخصص مرة ثانية، الخوف من أن تلتصق بي شخصية الأرمل، فقررت البحث عن مزيد من التنويع وعن طريقة أقنع بها المخرجين بقدراتي على فعل كل شيء أمام الكاميرا. وهل نجحت في سعيك هذا؟ - أجل، فأنا استطعت الفوز بالدور الرئيس في فيلم «مليون دولار هوتيل» من إخراج أحد أكبر أسماء السينما في العالم، الألماني فيم فندرز. وإذا كان هذا العمل لم يحقق الرواج الجماهيري العالمي العريض الذي شهدته سلسلة أفلام «سلاح قاتل» وقبلها «ماد ماكس»، فهو على الأقل جلب لي تقدير النقاد وسمح بتصنيفي ضمن الممثلين ذوي الإمكانات الفنية المتعددة والمتنوعة. وجاء من بعده فيلم «ماذا تريد النساء» للمخرجة نانسي مايرز، وأنا أظل مدين لهذه المرأة بكونها أثبتت للعالم مدى طاقتي الكوميدية أمام الكاميرا. لكن هل اهتمامك بالرياضة هو الذي فتح أمامك باب السينما في أول الأمر؟ - بدأت أهتم بالرياضة منذ سن مبكرة، إذ أني شاركت، وأنا طفل في المدرسة، في فريق كرة القدم وأضفت إلى هذا النشاط، عند بلوغي المراهقة، ركوب الدراجات البخارية وممارسة الحركات الخطرة فوقها، إلى درجة أني فكرت في وقت ما، في احتراف نشاط رياضي والمشاركة في مسابقات رسمية، إلا أني اكتشفت في نفسي حبي القوي للتمثيل ورغبتي في تحويل هذا العنفوان إلى مهنة حقيقية، ورحت بالتالي أكتب مسرحية تدور أحداثها في الأوساط الرياضية وقدمتها في مطلع حياتي الفنية فوق أحد مسارح سيدني بأستراليا. سببتَ فضيحة كبيرة من خلال مشكلة شخصية مع زوجتك السابقة، تحولت إلى خبر عام فوق صفحات الجرائد، فماذا تقول عن هذا الأمر؟ - قولي يتلخص في كون المشكلات الشخصية لا بد من أن تظل في محلها أي في الإطار الشخصي الخاص بأصحابها، ولكن إذا راح أحد الأطراف يحولها إلى حدث عام تنشر أخباره الصحف فيتضخم أمرها وتبدو أهم بكثير مما هي عليه في الحقيقة، غير أنها تلطخ محيطها بالعار، وهذا ما حدث لي بالتحديد. والفضيحة هل سببت لك بعض الضرر؟ - أجل، فقد ساهمت هذه الضجة في إحباط شعبيتي مثلما تفعل كل فضيحة مع ضحاياها عموماً، وخفت أن أفقد سمعتي كفنان محترم وأن تلتصق بي صورة الرجل الذي يسعى وراء إثارة الشغب. أنت إذاً لا تتخلص أبداً من الخوف والقلق؟ - أعتقد بأن القلق النفسي يدفع بي إلى الأمام ويساعدني في تخطي العقبات. إنهيار عصبي حدثنا عن فيلم «ذي بيفر» الذي أخرجته جودي فوستر والذي كان وراء عودتك الى مقدمة الساحة عقب حكاية الفضيحة؟ - عثرت بواسطة هذا الفيلم على أحد أقوى أدواري فوق الشاشة حتى الآن، وأقضي الفيلم كله في التكلم بصوت حيوان صغير من نوع السنجاب ممسكاً بلعبة للأطفال ترمز إلى هذا الحيوان بالتحديد. وذلك كله لأن الرجل الذي أؤدي شخصيته أصابه انهيار عصبي ونفسي ولم يعثر على أي طريقة ثانية للعلاج غير التعبير عن ذاته من خلال الحيوان الصغير. أنا أعترف بصعوبة تمثيل مثل هذه الشخصية، وفي الوقت نفسه أعترف بالمتعة التي وجدتها في التدرب عليها وفي إتقانها تحت إشراف جودي فوستر. هذه هي المرة الثانية إذاً التي تدين بها لامرأة مخرجة بأحد أجمل أدوارك؟ - نعم، ويبدو فعلاً أن العمل تحت إدارة نساء هو أمر يجلب لي الحظ. وأضيف أن جودي فوستر من صديقاتي المقربات وذلك منذ سنوات طويلة. هل تعترف بأنها أعادتك إلى مقدم الساحة؟ - كلياً، فأنا كنت قللت من ظهوري فوق الشاشة إثر الفضيحة لأني لم أكن أعثر على أدوار جديرة باهتمامي، بسبب قيام فئة من الهوليووديين بإدارة ظهرهم لي عقب المشكلات التي واجهتها، ثم لأني غير مستعد لفعل أي شيء لمجرد البقاء في الساحة بالتحديد.