تكاد الاتهامات التي وجهها دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية ضد غونزالو كوريل القاضي الأميركي من أصول مكسيكية تتحول قضية أميركية سجالية شبيهة بقضية درايفوس الشهيرة التي قسمت الرأي العام الأوروبي في مطلع القرن الماضي في شأن محاكمة ضابط يهودي في فرنسا. وكانت تلك القضية بمثابة جرس إنذار مبكر سلط الضوء على مخاطر تنامي مشاعر الكراهية والعنصرية ضد اليهود في أوروبا، وهو ما عبرت عنه لاحقاً الحركة النازية في القارة القديمة التي تنامت شعبيتها في ألمانيا وتوجت انتصاراتها بإيصال أدولف هتلر إلى سدة الحكم في برلين. فاتهام المرشح الرئاسي الأميركي قاضياً فيديراليا بالانحياز بسبب أصوله المكسيكية وإصدار حكم ضده في قضية فساد رفعها طالب سابق في جامعة ترامب أثارا ردود فعل مستنكرة وصفت تصريحات ترامب بالعنصرية فيما نظم ناشطون حقوقيون حملات تضامن مع القاضي الذي عينه الرئيس بارك أوباما في محكمة فيديرالية في كاليفورنيا عام 2011. ولم تفلح مسارعة ترامب إلى إعادة صوغ تصريحاته التي قال فيها إن القاصي كوريل المكسيكي يكرهه شخصيا لأنه يريد بناء جدار عازل على الحدود بين الولاياتالمتحدة والمكسيك في تخفيف حدة الحملة ضد خطابه العنصري وخصوصاً مواقف قياديين في الحزب الجمهوري اعتبروا أن تصريحات ترامب ضد القاضي المكسيكي ستكون لها تداعيات خطيرة على نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل ستصب لمصلحة الحزب الديموقراطي ومرشحته هيلاري كلينتون. وعبر كل من بول رايان رئيس مجلس النواب الأميركي وزعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ عن مخاوفهما من خسارة الحزب الجمهوري في انتخابات الكونغرس بسب تكرار ترامب تصريحاته العنصرية ضد الأميركيين من أميركا اللاتينية الذين يشكلون قوة انتخابية مؤثرة قد تحدد هوية الفائزين في الانتخابات التي ستشهدها البلاد نهاية العام الحالي. واحتل السؤال في شأن عنصرية ترامب صدارة السجالات الانتخابية في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي التي شهدت حملة تضامن واسعة مع القاضي كوريل، وهو ابن عائلة مكسيكية هاجرت إلى الولاياتالمتحدة في عشرينات القرن الماضي، وعاش في ولاية شيكاغو ودرس القانون الأميركي في جامعاتها قبل أن ينال شهادة عليا من جامعة انديانا ويترقى في السلم الوظيفي حيث عينه آرنولد شوارزنيغر الحاكم الجمهوري لولاية كاليفورنيا في المحكمة العليا للولاية عام 2006. هذا السجل المهني والأكاديمي في المؤسسات القضائية الأميركية العريقة، على صعيد الولايات وعلى الصعيد الفيديرالي، انقلب ضده ترامب وحجته أن الميراث المكسيكي للقاضي تغلب على جنسيته الأميركية وجعله يتحيز ضده معتبراً أن الأمر نفسه يصح في ما لو كان هذا القاضي أميركياً مسلماً. إذ أن حجة الثري النيويوركي تفترض أن موقفه الداعي إلى منع المسلمين من دخول الولاياتالمتحدة سيجعل القاضي متحيزاً ضده. والمنطق نفسه يقود إلى موقف مماثل مع قاض مفترض من أصل أفريقي. وحده القاضي الأميركي الأبيض ذو الأصول الأوروبية بإمكانه أن يكون نزيها من وجهة نظر المرشح الجمهوري الذي قامت شعبيته على مواقف تلعب على الوتر العنصري لدى البيض وتستثمر انتخابياً في شكل مباشر في مشاعرهم وانفعالاتهم ومخاوفهم العنصرية. ولا يخلو السجال من مواقف ترفض اتهام ترامب بالعنصرية وتؤيد حجته وتعتبر أن من العدل أن يحاكم قاض من أصل مكسيكي. ترى وجهة النظر هذه أن ظاهرة العنصرية أصبحت متفشية في جميع مناحي الحياة الأميركية وبالإمكان رصدها في كل مؤسسات المجتمع المحلية والفيديرالية. وظاهرة التمييز العنصري التي عانت منها الأقليات في أميركا وخصوصاً الأميركيين من أصل أفريقي لم تعد حكراً عليهم بل أصبحت ظاهرة عامة يعاني منها المسلمون واللاتينيون وكذلك البيض الذين تظهر استطلاعات الرأي أن نحو ستين في المئة منهم يشعرون بأنهم باتوا أكثر عرضة للتمييز العنصري من السود بعد وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض.