تنهال الانتقادات على مجلس الشورى، بسبب «ضعف» دوره الرقابي على الأجهزة الحكومية، وأن ليس له دور مهم في المجتمع، لأن أعضاءه يعيشون في «أبراج عاجية» ولا يتلمسون هموم المواطن. فيما كشفت قيادات في المجلس أن الدورة المقبلة للمجلس ستشهد مستوى رقابة أعلى من مستواها الحالي. ويقابل ذلك تأكيدات من المجلس أن الدور الرقابي المطلوب منه «ثانوي»، وليس رئيساً، لأنه جهة «تشريعية» تقدم المشورة إلى الدولة في ما يرد إليه من أنظمة ولوائح ونحوها، ويمارس الدور الرقابي فقط فيما يصله من تقارير الأجهزة الحكومية. ويدافع الأعضاء عن أنفسهم في تهمة عدم التهامي مع المواطنين في همومهم وتطلعاتهم، بأنهم أيضاً «مواطنون»، لم يهبطوا من كوكب آخر، ولا يرفلون في عالمٍ مخملي، وأنهم حريصون مثل غيرهم على كلّ خير، لأنهم جزء من هذا الوطن، مؤثِّرين ومتأثرين، وسط مطالبات بألا تحسب بعض الاجتهادات الفرديَّة على المجلس بمجموعه. وما بين الاتهام والدفاع، تتعالى مطالبات من داخل المجلس، بضرورة تقوية الدور الرقابي ل«الشورى»، وأن يكون ذلك بقرار ملكي، حتى يصبح للمجلس الحق في القيام بهذا الدور، مثله مثل الأجهزة الرقابية التي أنشأتها الدولة، وألا يقتصر دوره على دراسة التقارير، بل يقوم بتنفيذ الزيارات الميدانية، ومراقبة للأداء، وليس الإطلاع والتعرف. إضافة إلى مطالبات بإعادة هيكلة المجلس لتتوافق مع «رؤية المملكة 2030»، وما صاحبها من إلغاء وإضافة ودمج وزارات وهيئات. ففي هذا الصدد، طالب عضو مجلس الشورى الدكتور عبدالله الفيفي بأن تُوسَّع صلاحيّات المجلس أكثر، وألا يقتصر دوره الرقابي على ما يرد في التقارير السنويَّة من معلومات، بل أن تكون للمجلس زيارات ميدانية «بعيدة عن زيارات المجاملات»، مشيراً إلى أن هناك «تطوُّراً في تفاعل المجلس مع المجالس البلدية ومجالس المناطق، نأمل أن يثمر من خلال قرارات المجلس، لتلمّس همّ المواطنين واحتياجات الوطن». وقال الفيفي ل«الحياة»: «قام أعضاء من المجلس، منهم رئيسه ورؤساء لجانه، بزيارة إلى منطقة جازان في الدورة الرابعة، شملت معظم محافظات المنطقة، وعادوا بأفلام، وملفّات، وتقارير مهمَّة، غير أنه حين أردنا - نحن الذين قمنا بتلك الزيارة- تقديم تقرير إلى المجلس، على غرار ما هو معتاد في كل زيارة إلى خارج المملكة، ظهر من اعترض بأن تلك الزيارة كانت اجتهاديَّة، والمجلس غير مخوَّل بالتفقّد الميداني في ذلك الوقت، وهكذا تَحُول البيروقراطيَّة دون المبادرات». وإذا كانت زيارة هذا الوفد حينها «اجتهادية» إن الزيارات أصبحت اليوم من صميم عمل المجلس، إلّا أن القرني يرى أن الآلية لتفعيل تلك الزيارات تبقى «ضروريَّة، رقابةً وتشريعاً، حتى لا تتحوّل إلى مجرّد سياحة داخليّة للأعضاء». وبين أن قرارات المجلس «تُرفع إلى المقام السامي لا إلى الأجهزة التنفيذيَّة، ليتخذ فيها ما يلزم، وهي قرارات بحسب نظام المجلس الحالي بوصفه مجلس شورى، لإبداء الرأي والمشورة واقتراح الحلول، حول جوانب القصور أو التطوير للأداء». وحول المعلومات الواردة إلى المجلس، أو تأخير التقارير السنوية عن الورود إلى المجلس، فأوضح القرني أن هذا «محكوم بنظام مجلس الوزراء، وهو المنوط به الشأن في متابعة تقديم التقارير من دون تأخير، وأمّا عدم الوفاء بإعداد تلك التقارير بحسب المادة 29 من نظام مجلس الوزراء، فإن المجلس يطالب بذلك في قراراته حينما يظهر إخلال بمكونات التقرير المطلوبة، بل من حقّ المجلس أن يعيد التقرير، إذا تبيّن أنه لا يفي جوهريّاً بالشروط النظامية لإعداده». وعن الاتهامات التي توجه إلى المجلس بأنه لا يؤدي دوره الرقابي، فأكد العضو الفيفي أن المجلس يمارس عمله وَفق صلاحيّاته ونظامه، «فإذا أنيط به دور رقابي أعلى وأكبر مما يقوم به الآن، لزم عندئذٍ تعديل نظامه وتوسيع صلاحيّاته ليتسنّى له ذلك». وقال: «آن الأوان بعد تاريخ المجلس الطويل أن يجدَّد نظامه بما يواكب التطوّر الذي تشهده المملكة، وبما يلبي الطموحات». اختلاف بين مجلس الشورى والبرلمان ويوصف تعامل المجلس مع الوزراء ورؤساء الهيئات ب«الدبلوماسية»، لدرجة أنه يسعى لتخفيف حدة الخطاب الموجه لهم من «استدعاء» إلى «طلب حضور»، وما إن كان هذا هو الأسلوب المتبع عادة أم أنه يفترض به التعامل معهم وفق صلاحيات المجلس بمساءلتهم ومحاسبتهم عن أي قصور في أداء وزارته أو هيئته وتحديد عبارة استدعاء واستجواب في خطاباتهم التي يوجهونها لهم، فأوضح الفيفي أن الهدف المنشود هو «الوصول إلى تحقيق الصالح العام، لا استعمال هذه الكلمة أو تلك»، مردفاً أن «الأصل أن المسؤول ليس في موقع اتهام ليُستجوب؛ لأنه حين يصل الأمر إلى هذا المستوى، فإنه لا يصلح مسؤولاً أصلاً». ودعا إلى التفريق بين مفهوم الشورى والبرلمان، مبيناً أن الشورى يستضيف المسؤول، ويسائله، بكلّ شفافية بالفعل، بعيداً عن التشنُّج والصراخ، أمّا أوجه القصور، فهي في النهاية مكشوفة ومكاشف بها، سواءً من خلال مناقشة المسؤول مباشرةً، أو دراسة التقارير السنويَّة ومناقشتها». وقال: «ما قد ألحظه خلال تجربتي في مجلس الشورى أن بعض المسؤولين يأتي ليعرض إنجازات الوزارة من خلال المجلس، ويُطيل في هذا جدّاً، فيما المجلس ليس منبراً إعلاميّاً، ويمكن أن يقدّم ذلك من خلال التقرير السنوي، بل أن يقدم- إن لزم الأمر- مطبوعاً قبل النقاش، وذلك لتوفير الوقت على الجميع، فيما عدا هذا، فإن معظم تلك المناقشات تكشف الكثير للمجلس ولصاحب القرار، وذلك هو المطلب الأساس». وشدد الفيفي على ضرورة توجه المجلس لدمج لجانه وفقاً لما جاء في «رؤية المملكة 2030»، مشيراً إلى أن التطورات الأخيرة تستدعي هذا الدمج. وطالب بأن «يكفّ أرباب النقد للنقد، من غير المطّلعين عن قرب على نظام المجلس، ولا على آليّات عمله، وصلاحيّاته، وجهوده، عن صبّ جام كلماتهم الاتهاميَّة على المجلس وأعضائه، بمناسبة وبغير مناسبة، فهؤلاء الأعضاء هم مجرد مواطنين، ولم يهبطوا من كوكب آخر، ولا يرفلون في عالمٍ مخمليّ». وأكداً أنهم «حريصون مثل غيرهم على كلّ خير؛ لأنهم جزء من هذا الوطن، مؤثِّرين ومتأثرين، أمّا بعض الاجتهادات الفرديَّة، إن ظهرت، فلا يصحّ أن تُحسب على المجلس بمجموعه»، مشدداً على أن وجود وجهات النظر المتباينة هو أساس وجود مجلس على غرار مجلس الشورى، فلو ساد الاتفاق لما احتيج إلى شورى، واختلاف الرأي سنّة إنسانيّة وثقافيّة وحضاريّة، يجب أن تُحترم، وأن يُرتقى إلى مناقشتها بموضوعيَّة، بعيداً عن افتراض ما لا أساس له من الصحّة ولا أصل له من الواقع. المجلس ومجاملة الوزراء من جهته، أوضح العضو الدكتور عبدالعزيز العطيشان أنه كي يتمكن المجلس من تعزيز وتقوية دوره الرقابي «يجب أن يتابع إنجازات الوزارات والهيئات بتنفيذ سياسات الحكومة، وبما أن الأخيرة وافقت على رؤية 2030 فلا بد أن يضع كل جهاز حكومي معني في هذه الرؤية خططه التنفيذية مع جدول زمني يتم مراجعته كل ثلاثة أشهر». وطالب العطيشان برفع توصيات المجلس إلى الملك، وهو أو مجلس الوزراء يوجه بتعميد الجهة المعنية بتنفيذ التوصية من عدمه، مشيراً إلى «حجج واهية من أجهزة حكومية حول تأخر تطبيق هذه التوصيات». وشدد على أن «الأمر متروك إلى ولي الأمر بمعاقبة المسؤولين في هذه الجهات»، مشيراً إلى أنه يرى أن يطبق مبدأ العقاب والثواب لأنه «من أمن العقوبة أساء الأدب». وأوضح أن للمجلس دور «معقول» رقابياً، «ولكن قوة الرقابة تنشأ من ولي الأمر، فهو الذي يحدد دور مجلس الشوري، ويعززه». وحول تخفيف حدة الخطاب في دعوة المسؤولين للحضور إلى المجلس، قال: «الأدب مطلوب، لكنني حضرت جلسات عدة، حضرها وزراء، وطرحت عليهم أسئلة قوية، ولم تكن هناك مجاملات، حتى أن أحد الأعضاء طالب أحد الوزراء بأن يقدم استقالته». وعن دمج بعض لجان المجلس، خصوصاً بعد صدور «رؤية المملكة 2030»، توقع العطيشان أن يتم ذلك قريباً «لأن هذا الدمج منطقي، ولأن هذه اللجان تناقش تقارير تردها من الأجهزة الحكومية». آل ناجي: إعادة تشكيل اللجان وفق «رؤية 2030» أوضح عضو مجلس الشورى الدكتور محمد آل ناجي أن دور المجلس الرقابي يمكن تعزيزه من جوانب عدة، من أهمها «تعديل نمط ومحتويات وقواعد إعداد تقارير الأداء السنوي للأجهزة الحكومية، من خلال إضافة مواصفات لهذه التقارير، لتتضمن مؤشرات قياس لأداء الأجهزة الحكومية (KPI)، وتتضمن إفادة بما اتخذ حول قرارات المجلس السابقة، وتتضمن أهداف الجهاز في سنة التقرير، وما تحقق منها، ومدى التزام الجهاز في خطط التنمية». وقال آل ناجي: «إن من المفيد أن تتضمن تقارير الأجهزة الحكومية ملاحظات الأجهزة الرقابية على الجهاز، والنظر في إمكانية أن تكون هذه التقارير نصف سنوية». وحول آلية مناقشة مسؤولي الاجهزة الحكومية، ذكر أنها تحتاج إلى تجويد، «فعلى مستوى رؤوساء الأجهزة الحكومية؛ أصبحت الحاجة واضحة في بأن يقدم رئيس الجهاز في بداية عمله خطة تطوير عمل الجهاز الذي يرأسه، ليدرسها المجلس ويناقشها معه، وبعد إقرارها يتم مراقبة تنفيذها من الأجهزة الرقابية، فحتى تنجح الرقابة يجب أن تتم في ضوء خطط وسياسات محددة وبرامج عمل واضحة». وعن تشكيل لجان المجلس وفق «رؤية المملكة 2030»، قال آل ناجي: «إن لجان المجلس المتخصصة التي تشكل في بداية كل سنة شورية، ستتكيف لإعادة الهيكلة التي صدرت أخيراً لبعض الأجهزة الحكومية، ورؤية المملكة 2030، من خلال نقل بعض التقارير من بعض اللجان، أو دمج أو تشكيل لجان جديدة». القحطاني: التعيين يجلب «النخبة» أشار عضو مجلس الشورى الدكتور محمد القحطاني إلى أن الرؤية والتحول سيمنحان المجلس سلطة بقدر المسؤوليات العظيمة التي ستسند إليه، «لأن المجلس من أهم اجهزة الدولة، والتي ينبغي ان تتكيف مع هذه المتغيرات وترفع لها الصلاحيات بقدر المسؤولية الموكلة إليها». وقال القحطاني ل«الحياة»: «إن الزيارات المفاجئة إلى الجهات الحكومية مسؤولية جهات رقابية أخرى، وليست مسؤوليتنا»، مؤكداً حرص المجلس على تلمس احتياجات المواطنين ورضاهم، «ولكن المجلس يعمل بحسب نظامه وصلاحياته، والإعلام والمواطنين يحملون المجلس ما لا يحتمل، فللمجلس صلاحيات محددة، يجهلها الكثيرون». وقال: «اختلفت المسميات للمجلس هل هو جهة تشريعية او رقابية او تنظيمية ولكنه في النهاية هو مجلس مشوره لولي الامر واحيانا تقبل هذه المشوره او يحيلها لمجلس الخبراء لدراستها واذا حدث فيها خلاف ترجع لمجلس الشورى ليغير رأيه او ما يراه وقال بأن جميع برلمانات العالم لا ينفذ فيها القرار فورا انما تمر بمراحل». وقارن القحطاني، مجلس الشورى ببرلمانات العالم، واعتبر المجلس «راقياً في الالفاظ». وقال: «تصل الاختلافات في البرلمانات الاخرى إلى مستوى التشابك بالأيدي»، مستدركاً: «إن المجلس يتمتع باسلوب راق مترفع عن الألفاظ النابية، سواء من عضو إلى آخر، أو عضو إلى وزير». وعزا ذلك إلى «اختيار الأعضاء من النخبة، وليس بالانتخاب على غرار ما هو معمول في الدول الأخرى. ولكنه لم يستبعد حدوث «اختلاف في الألفاظ أو شد وجذب بين الأعضاء، وعندما يُلفت نظره بعد الجلسة يأتي في جلسة أخرى يعتذر، ويلاقي هذا الاعتذار تصفيق جميع الأعضاء»، مضيفاً: «إنه يُعطى إلى جميع الاعضاء الحرية في نقل وجهة نظرهم كاملة تحت قبة الشورى، أو في تصريحاتهم إلى الإعلام، وهو مسؤول عن ما يبدر منه»، منتقداً وسائل الإعلام التي تعتبر رأي عضو المجلس رأياً يمثل المجلس كاملاً، ويوجه الانتقاد إلى عمل المجلس بناء على ذلك.