يصدر قريباً كتاب «Naked Diplomacy power and statecraft in the digital age» لتوم فليتشر السفير البريطاني السابق لدى لبنان (2011- 2015) والأستاذ غير المقيم للعلاقات الدولية في جامعة نيويورك والأكاديمية الديبلوماسية في دولة الإمارات، وهو أيضاً مدير لائتلاف الأعمال العالمي للتعليم، ومهتم حالياً بالحصول على تمويل لتدريس مليون طفل سوري لاجئ. تولى فليتشر منصبه في لبنان وهو في سن 36 عاماً، وعرف بنشاطه وحبه للبنان ونجاحه الكبير في مهمته. ويصدر كتابه في 2 حزيران (يونيو) في لندن حيث سيطلق من «تشاتام هاوس» بحضور وزراء ومسؤولين وفي لبنان، حيث سيشارك في إطلاقه فليتشر في 22 من الشهر نفسه. يحاول فليتشر في هذا الكتاب أن يثبت أن الديبلوماسية لم تمت، بل تغيرت بسرعة وتوسعت إلى الشعوب في عصر المعلوماتية والشبكات الاجتماعية. ويقول ل «الحياة» عن الكتاب: «أردت العودة في الكتاب إلى الهدف الأساسي للديبلوماسية وهو منع الناس من قتل بعضهم بعضاً وإيجاد طرق ذكية وسبل لمنع الصراعات. وقلقي أن الديبلوماسية أصبحت أضعف لأن الأموال تقلصت للديبلوماسيين ولأن الشعوب في الغرب أصبحت أكثر تركيزاً على شؤونها الداخلية، خصوصاً منذ حربَي العراق وأفغانستان. وأيضا مع سرعة التحول إلى العصر الرقمي، أصبحت وزارات وإدارات أخرى تحسب أن بإمكانها أن تقوم بالعمل الديبلوماسي بنفسها وهي تعتقد أنها بغنى عن وزارات خارجية. العمل الديبلوماسي يتعرض لضغوط من كل الجهات، لذلك يجب أن يتغير. ولا بد من التخلي عن كل مظاهر الديبلوماسية التقليدية والكلام الديبلوماسي الذي يفشل في إقامة رابط مع الناس بالشكل الصحيح. ما أردت طرحه هو كيف نجد طريقة للترابط مع الناس وشرح أهمية ما نقوم به». ويكتب فليتشر في هذا السياق: «على الديبلوماسيين أن يعيدوا تحديد شرعيتهم وأن يرتبطوا بمصادر النفوذ الجديدة»، ويشرح مقصده بقوله ل «الحياة»: «هذه ناحية أكثر جدلية في الكتاب، فعندما خدمت في لبنان كنت سفير جلالة الملكة وفخوراً بهذا التمثيل، خصوصاً أنها ملكة نتشرف بإدارتها. ولكن كنت أعتبر أيضاً أنني ممثل للحكومة البريطانية. أفْضَل العمل الديبلوماسي يكون عندما يَعتبر الديبلوماسي نفسه ممثلاً لكل الشعب. في الماضي كان السفير البريطاني يمثل الملكة وغيره من السفراء يمثلون رؤساءهم، وكل واجباتهم كانت لشخص أو لعائلة، أما الآن فأصبح التمثيل أوسع ويشمل قطاع الأعمال والإعلام والصناعة والثقافة... علينا أن نرى أين أصحاب السلطة الآن ونعمل مهم في إطار المهمة الأساسية في ردع الحروب والصراعات والدفع إلى التعايش». التحول المعلوماتي السريع وشرح فليتشر نظرته إلى ضرورة تكيف الديبلوماسية مع التحول المعلوماتي السريع بقوله: «على الديبلوماسي أولاً أن يملك الآلية التقنية الصحيحة لعمله والأهم تغيير العقليات حول كيفية التواصل مع الناس والتأثير على أكبر عدد من المجموعات. فقبل عصر المعلوماتية مثلاً في لبنان، كان يمكننا كديبلوماسيين التأثير على 40 شخصاً أو حتى 90 من زعماء الطوائف أو ممثلي الأحزاب في الحوار. أما الآن، ومع الشبكات الاجتماعية، ففي الإمكان تأسيس حملة بأوسع عدد من الناس للتأثير فيهم. مثلاً قبل سنتين أو ثلاث كانت هناك لحظات زعزعة استقرار وأوضاع هشة في لبنان، ووضعنا رؤية لبنان واحد مع مشاهير من عالم كرة القدم والمغنين والممثلين ليأتوا ويتحدثوا عن وحدة البلد. وهذا لم يكن هدفه ميشال عون أو سمير جعجع أو وليد جنبلاط أو نبيه بري، بل كانت ديبلوماسية تتوجه إلى عدد أكبر من الناس. ومرة اخرى عندما ودعت اللبنانيين في رسالتي «So... Yalla ,Bye» الموجودة على موقعي http://tomfletcher.global لم توجهت إلى الشعب ككل؟ لأنني شعرت بأن عملي كان الترابط مع الشعب. وأردت أن أقول للبنانيين إنه يجب ألا يخيب أملهم بالسياسة بل عليهم أن يتمسكوا بوطنهم ومستقبله». ورأى فليتشر أن الحاكم الذي يريد منع الإنترنت سيفشل في النهاية، وأنه لا يمكن التصدي لرغبة الشعب في الترابط الاجتماعي. ويضيف أن «شبكة الإنترنت تتجاوز الجدار الذي يشيده الحاكم. وإذا نظرنا إلى العالم نرى دونالد ترامب وبعض أمثاله في أوروبا، ومن الجانب المتطرف الآخر عناصر «داعش» الذين يعتبرون أن الرد على متطلبات الشعوب يكون بتشييد جدار ضخم، لأنهم يعتبرون أن الشعب وراءه مختلف عنهم، في حين أننا عندما نذهب إلى الشبكات الاجتماعية نرى أن الناس وراء الجدار الضخم يريدون أشياء مماثلة للآخرين من أمن وتعليم وكرامة». ويقول الديبلوماسي البريطاني إنه أراد تأليف الكتاب لأنه يرى أن «مستقبل الديبلوماسية لن يكون بين الدول ولكن في المجتمعات. فنوع المشكلات التي يعيشها لبنان، مثلاً، يومياً حول كيفية التعايش ستصبح في ضوء الهجرة الضخمة إلى أوروبا قضايا حقيقية وكبرى ستشهدها أوروبا وحكوماتها. فعلى الشعوب أن تستعد لعقلية ديبلوماسية جديدة لتعلم التعايش. من هنا، تحوّلت الديبلوماسية إلى أكثر من بروتوكول وأوراق اعتماد وتسميات».