توم فليتشر سفير بريطانيا في لبنان كان يتابع أخبار الشرق الأوسط من السفارة البريطانية في فرنسا ثم انتقل ليكون مستشاراً لرئيس الحكومة البريطاني السابق غوردون براون في 10 داوننغ ستريت ثم بقي مع خلفه ديفيد كامرون قبل أن يعين في أول منصب له كسفير في لبنان منذ حوالى سنتين. قبل وصوله إلى لبنان ذهب يتعلم اللغة العربية لمدة ستة أشهر. ثم تسلم منصبه ونجح بحضوره ونشاطه المستمر وبراعته الديبلوماسية وهو من جيل الدبلوماسيين الشباب وأمس وجه رسالة مفتوحة إلى لبنان رائعة بمناسبة عيد استقلاله تستحق اللفتة. فيبدأ فليتشر بالتوجه الى لبنان كأنه شخص ويكتب «عزيزي لبنان، اكتب اليك لأتمنى لك عيداً سعيداً في ذكرى ميلادك السبعين. أنا أعرف أن عمرك في الواقع آلاف السنين، وأنك كنت تجيد التجارة والكتابة قبل أجدادي بكثير. لكن لحظة ميلادك تلك في تشرين الثاني (نوفمبر) 1943 كانت مميزة وقد خطوت خطواتك الأولى كأمة جديدة مبنية على مبادئ موحدة وليس على خطوط تقسيمية». ثم ينتقل فليتشر ليسترجع بعض الأمور التي جعلته يقول للبنان «أنت افضل بكثير مما تعترف به». ثم ينتقل ليقول إحباطه «تبدو سياستكم وكأنها ديناميكية ولكنها في الصميم مشتتة ومشلولة. تتحدثون عن الوحدة ولكن غالباً ما نسمع البعض يقول لبنان رائع لولا اللبنانيين أو لن يتغير شيء، هيدا لبنان. لديكم قدرة خارقة على تحمل المشقات مثل انقطاع الكهرباء لكن نادراً ما تواجهون أسبابها الأساسية. تستثمرون اكثر من أي بلد آخر في تعليم شبابكم لكنهم يشعرون بان لا صوت لهم في تغيير بلادهم نحو الأفضل. لطالما كنتم منارة لحقوق المرأة لكنكم تنتخبون حفنة صغيرة منهن في البرلمان. كنتم أول بلد في الشرق الأوسط يقف في وجه الديكتاتوريات في القرن الحادي والعشرين لكن صوتكم المطالب بحقوقكم وحقوق الآخرين يبدو أنه سكت وفي الكثير من الأحوال اسكت». ثم يوجه نصائح إلى لبنان ويقول «أولاً ابدأوا بتجاهل نصائح الآخرين أولهم أنا. ثانياً احتفلوا بالنجاح الذي يذخر به بلدكم بالقول «هذا بلدنا ونحن نقاسمه ونمضي بحياتنا كأفضل رد على العنف والانقسام». ثم يذكر بضرورة فهم معنى الاستقلال على ان توضع مصالح لبنان فوق مصالح الأسياد الأجانب. ويقول: «إنكم محكومون بالعيش سوية بالفقر والثراء بالسراء والضراء». ثم يختم رسالته قائلاً: «إنكم في مرحلة حاسمة ومن المبكر جداً لبلد ان يتقاعد في عمر السبعين. أن تبلغوا سن 75 رهن بقدرتكم على إيجاد سبيل للاتحاد وللتركيز على ما يجمعكم بدل التركيز على ما يفرقكم. هذه مهمة لا يمكن أن تسلموها للآخرين. القرار قراركم، إما أن تتقاتلوا على لبنان أو تقتلوا من أجله». لا شك في أن رسالة فليتشر آتية من ديبلوماسي أحب البلد وأحب العمل فيه وله صداقات عديدة فيه في جميع الأوساط. ورسالته هذه انبثقت عن هذه المحبة والشعور بالأسف على بلد كاد يكون جنة لولا أسباب الإحباط التي ذكرها فليتشر والتي يدركها أي لبناني يتمنى لبلده أن يستعيد عافيته. ولكن ما يجري اليوم على الأرض في سورية وفي لبنان وفي المنطقة بأسرها، يجعل عودة الوحدة بين اللبنانيين حلماً. فكيف يتوحد البلد وإيران وسورية تتحكمان بقرار «حزب الله» الذي يمثل جزءاً كبيراً من الشعب اللبناني، فلبنان الذي يتوجه اليه فليتشر لم يتقاعد، بل هو يعاني من داء شفاؤه لم يعد بيده. صحيح ان هناك نجاحاً كبيراً بين اللبنانيين في الخارج والداخل ولكن الدولة فاسدة ومشلولة وليس هناك أمل أن تنهض في ظل ظروف إقليمية متدهورة وخطيرة وانقسام في الشعب مخيب للأمل. إن رسالة فليتشر إلى لبنان فيها كل تمنيات أي لبناني وفيّ لوطنه. إلا أن في الواقع أصبح شبه مستحيل أن تنفذ توصيات فليتشر لخلاص البلد، لأن لبنان لم يتقاعد بل هو في خطر مستمر.