أحدثَ إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون أمس استقالته من منصبه وخروجه إلى «وقت مستقطع» من الحياة السياسية، في أعقاب «ضعف ثقته» برئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، دراما سياسية حقيقية في الساحة الحزبية التي رحب أقطابها الأكثر تطرفاً بانصراف يعالون فيما أبدى الرئيس رؤوفين ريبلين وغيره من قادة «اليمين المعتدل» والوسط أسفهم على اضطراره الاستقالة. وبينما يتوقع أن يحل زعيم إسرائيل بيتنا» المتطرف أفيغدور ليبرمان محل يعالون في وزارة الدفاع، فإن الناشط الأكثر تطرفاً يهودا غليك، قائد إحدى العصابات التي تنتهك المسجد الأقصى المبارك تباعاً، سيحل محله في الكنيست. وجاء لافتاً في تصريح يعالون أنه لا يعتزم اعتزال الحياة السياسية إنما سيعود للمنافسة على قيادة الدولة، وإعرابه عن «قلقه من مستقبل إسرائيل» في أعقاب سيطرة جهات متطرفة خطيرة على الحزب الحاكم «ليكود» وفي الحكومة. ولم ينتظر يعالون التبليغ الرسمي من نتانياهو بإطاحته من منصبه لحساب ليبرمان لقاء انضمام الأخير وحزبه إلى الائتلاف الحكومي، فالخلافات بينه وبين نتانياهو اتسعت رقعتها في الأشهر الأخيرة وبلغت أوجها الأسبوع الجاري في أعقاب دعوة يعالون قادة الجيش إلى التعبير عن آرائهم بلا مخاوف، ما اعتبره نتانياهو تحدياً له، فاستدعاه لجلسة توبيخ. وأفادت الإذاعة العبرية أن يعالون رفض اقتراح رئيس الحكومة تعيينه وزيراً للخارجية، وآثر تقديم استقالته من الحكومة والكنيست. وكان يعالون فاجأ الجميع في تغريدة له صباح أمس على «فايسبوك» و «تويتر»، ثم في مؤتمر صحافي بقوله: «أبلغت رئيس الوزراء أنه بعد تصرفه خلال التطورات الأخيرة، وفي ضوء ضعف الثقة فيه، أتقدم باستقالتي من الحكومة والكنيست، وسآخذ وقتاً مستقطعاً من الحياة السياسية»، مؤكداً أنه لا يعتزم اعتزال الحياة السياسية، بل سيعود في المستقبل لينافس على القيادة الوطنية لإسرائيل. وتابع أنه رأى في جميع المناصب التي أشغلها في الجيش والحكومة رسالة وطنية، و «لم أكن مستعداً للتضحية بحاجات قومية وبأمن مواطني إسرائيل من أجل اعتبارات حزبية أو سياسية شخصية». وأشار إلى أنه عمل لفترة طويلة بتناغم مع رئيس الحكومة، «لكن لأسفي الشديد، وجدتُ نفسي في الفترة الأخيرة أمام خلافات شديدة في قضايا قيَمية ومهنية مع رئيس الحكومة وعدد من الوزراء والنواب... حاربتُ بكل قوة ظواهر التطرف والعنف والعنصرية في المجتمع الإسرائيلي التي تهدد مناعة الدولة وباتت تتغلغل إلى الجيش ومسّت به... كافحتُ بكل قوة ضد محاولات المس بالمحكمة العليا وبقضاة إسرائيل لأن نتائجها تقتنص من سلطة القانون وتهدد بأن تكون كارثية لدولتنا». وأعرب عن أسفه من أن «جهات متطرفة وخطيرة» سيطرت على إسرائيل وعلى «ليكود» أيضاً و «تهزّ البيت وتهدد بأذية ساكنيه». وأضاف: «ليست هذه حركة ليكود التي التحقتُ بها، وجدير أن تدرك غالبية مصوتي ليكود، وهي من العقلانيين الذين يتحلون بالمسؤولية، عمق الشرخ والرياح العنترية التي تسيطر على الحركة. كلي أمل في أن يدرك الجمهور الواسع، من اليمين واليسار، المغزى الخطير لسيطرة الأقلية المتطرفة على اللجنة المركزية في الحزب، وان يحارب هذه الظواهر». وأضاف أن هناك سياسيين رفيعي المستوى في الدولة اختاروا طريق التهييج والانشقاق بين أجزاء المجتمع الإسرائيلي بدلاً من توحيدها والربط بينها، و «من مهمات القيادة أن تقود بشكل قيَمي طبقاً لبوصلة واضحة وأحياناً خلافاً لاتجاه الرياح، أن ترسم طريقاً ولا تنجر لدوافع انتخابية ووراء استطلاعات الرأي، ولا تدير سجالاً منفلتاً عديم المسؤولية». وختم محذراً أنه «قلق على مستقبل إسرائيل، وسأواصل معركتي في المستقبل أيضاً». وأعرب الرئيس الإسرائيلي عن «أسفه الشديد» لقرار يعالون، لكنه أبدى تفهمه لقراره «المستوجَب... رغم أن الخسارة لنا جميعاً». وأعرب عن أمله في أن يعود يعالون إلى الحياة السياسية قريباً «من أجل الشعب والدولة والبلاد». ودعا وزراء في «ليكود» يعالون إلى العدول عن قراره، لكنّ مراقبين اعتبروا دعوتهم «ضريبة كلامية»، مشيرين إلى أن معظمهم يرحب في سريرته بالقرار. واعتبرت الوزيرة غيلا غمليئل استقالة يعالون «خسارة فادحة للمعسكر القومي لليكود». وأضافت أن نتانياهو أخطأ حين لم يقترح حقيبة الخارجية ليعالون فور اقتراحه الدفاع لليبرمان، وفي تعامله معه باستخفاف. ورحب حزب المستوطنين الأكثر تطرفاً «البيت اليهودي» باستقالة يعالون المتهم من جانبه بأنه أعاق تطوير الاستيطان، وأنه «كارثة متنقلة للأمن»، مضيفاً بسخرية أنه «القرار العقلاني الذي أعاد الاحترام للسياسة الإسرائيلية». كما أعرب نواب المعارضة عن قلقهم من استقالة يعالون. ووصف رئيس كتلة «يش عتيد» عوفر شيلح الوزير يعالون ب «الإنسان النزيه الذي قام بعمل نزيه ورفض أن يقوم بدور المهرّج في سيرك نتانياهو، فتركه مشمئزاً». وكتبت رئيسة كتلة «المعسكر الصهيوني» المعارض ميراف ميخائيلي أن إسرائيل خسرت صوتاً متزناً وعقلانياً في حكومة اليمين الخطيرة التي يقودها نتانياهو. وكتبت النائب رويتال سويد: «أهلاً وسهلاً بالقادمين إلى ظلامية العصور الوسطى والحكم الديكتاتوري لحكومة نتانياهو». ووصف زميلها أريئيل مرغليت وزير الدفاع ب «الرجل الشجاع الذي كشف التعرّي الأخلاقي لنتانياهو أمام العالم كله»، ودعا إلى «تأجيج الشارع» بهدف تبكير الانتخابات العامة. واعتبر النائب يوئيل حسون أن الاستقالة تحمل رسالة واضحة تقول لمواطني إسرائيل إنهم لن يستطيعوا النوم في الليل، و «لا يوجد من نعتمد عليه، ومصيرنا مرهون برئيس حكومة مستهتر وعديم المسؤولية». وقالت زعيمة «ميرتس» اليسارية زهافه غالؤون إن استقالة يعالون هي «إثبات قاطع للضرر القيَمي والإنساني الذي سببه رئيس الحكومة للديموقراطية والأمن في إسرائيل». وأضافت أن «نتانياهو باستخفافه وخديعته جعل من يعالون عدواً، وهكذا أزيلت آخر الحواجز أمام خطر تحيوُن المؤسسة الأمنية». وكتب النائب أحمد الطيبي في حسابه على «تويتر» ساخراً أنه «يجدر إقامة محطة إطفاء حريق في الكنيست». ومع دخول استقالة يعالون حيز التنفيذ غداً، سيحل محله المتطرف يهودا غليك، قائد عصابات اقتحام المسجد الأقصى الذي نجا العام الماضي من الموت في عملية اغتيال. وأشارت أوساط في «ليكود» إلى أن نتانياهو منزعج من التحاق غليك بالكنيست «لأنه سيسيء إلى سمعة إسرائيل».