بعد 68 عاماً على النكبة، يبدو أن بعض الإسرائيليين بدأ «يستفيق» على واقع مشابه لأيام المحرقة النازية، واقع يقوم فيه الإسرائيليون بدور النازيين في مواجهة الفلسطينيين. وهذا ما باتت تدركه شخصيات في النخبة الحاكمة والعاملة في مؤسسات الكيان، الذي بدأ باستعادة كيانيته من الدولة الإسرائيلية، التي بدت وتبدو ناقصة، نظراً الى اهتزاز وتضعضع «إجماعاتها» المعهودة التي كانت سمة الأيام الخوالي، ولكنها اليوم لم تعد تخضع لأي من شروط «الجماعة الواحدة» أو «المتحدة» على سياسات موحدة استناداً إلى استراتيجية أحادية، على ما شهدت سنوات الاحتلال الأول والثاني لأرض فلسطين التاريخية. وفي مواجهة العديد من تصريحات كانت بمثابة «ردود فعل» غير متوقعة، على ممارسات الجيش الإسرائيلي، بدءاً من وزير الأمن موشيه يعالون، ونائب رئيس الأركان يائير غولان مؤخراً، أطلق رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو، سلسلة من الانتقادات لتصريحات الأخير التي قال فيها إنه يلاحظ أموراً في إسرائيل كانت حصلت في فترة الحكم النازي قبل المحرقة، واعتبر نتانياهو أن هذه التصريحات «تقلل من بشاعة المحرقة، وتظلم المجتمع اليهودي». قبل ذلك في 5 أيار (مايو)، عبّر وزير الأمن (الجيش) الإسرائيلي، موشيه يعالون، عن دعمه لنائب رئيس أركان الجيش، يائير غولان، الذي يواجه حملة من اليمين واليمين المتطرف، بعد أن لمّح إلى وجود شبه بين أجواء تأييد الجندي القاتل إليئور أزاريا، الذي أعدم الشاب الفلسطيني عبدالفتاح الشريف بالخليل، بالأجواء في ألمانيا النازية قبل الحرب العالمية الثانية. وقال يعالون إنه «توجد لدي ثقة كاملة بنائب رئيس هيئة الأركان العامة، اللواء يائير غولان... والتهجمات والتصريحات المنفلتة ضده، إثر تحليل تعمد تشويه أقواله، واعتبر ذلك محاولة أخرى في حملة مثيرة للقلق من أجل المس سياسياً بالجيش الإسرائيلي وضباطه». مثل هذه الحملات الناقدة لتصريحات ربما بدت للمرة الأولى خروجاً على «النص الصهيوني»، أو ما اعتاد المجتمع الإسرائيلي على ممارسته كنوع من «فضيلة» الصمت والإنكار و «الانضباط الإجماعي» تجاه سياسات متطرفة وأكثر يمينية، وجد البعض إنها باتت في حاجة إلى تشبيهها بممارسات نازية، وقد جاءت كنوع من الصدمة التي هزت الائتلاف الحكومي، وجعلت إحباط نتانياهو ورده غير المفحم، يقحم نفسه في استجداء غولان التراجع عن موقفه وتصحيحه، وهذا مؤشر إلى ما هو أعمق في متغيرات وتحولات ما بدأ يتكشف إزاء تماسك المؤسسة الحاكمة، وتعبير بعض أفرادها عن مواقف مناقضة لسياسات الحكومة المتطرفة واليمين المتطرف، وتنظيمات الإرهاب (اليهودي الداعشي)، وهي كلها مقاربات تنحو نحو مقاربة جرائم المحرقة والجرائم التي أدت إلى النكبة الفلسطينية، ولو لم تصل إلى الاستنتاجات والمواقف ذاتها الملزمة سياسياً وأخلاقياً وإنسانياً. وكان صدر عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية «مدار»، كتاب بعنوان «المحرقة، الانبعاث والنكبة» للباحث الإسرائيلي يائير أورون الذي يخلص إلى أنه لا مجال للصلح بين الفلسطينيين والإسرائيليين من دون اعتراف متبادل بالنكبة والمحرقة. ووفق أورون فإنه «من دون الاعتراف بالمحرقة كتراجيديا يهودية ومن دون الاعتراف بالنكبة كتراجيديا فلسطينية، لا أمل في تحقيق تسوية وصلح بين الشعبين». وبناء على ذلك يصل إلى الاستنتاج بأنه من دون أن يعلم الإسرائيليون بالجرائم التي ارتكبها قادة الدولة عام 1948، ومن دون أن يعترفوا بآثار هذه الجرائم المستمرة في المجتمع الفلسطيني، وبالتوازي من دون أن يعترف الفلسطينيون بالمحرقة ومغزاها المستمر في المجتمع الإسرائيلي – اليهودي، ليس ثمة احتمال لتحقيق مصالحة حقيقية بين الشعبين. ومما جاء في تقديم انطوان شلحت للكتاب، قوله عن استنتاج المؤلف أنه لا يمكنه إلا أن يستوقف القارئ العربي، كونه استنتاجاً غير صحيح لأسباب كثيرة، أهمها أن النكبة الفلسطينية بدأت خيوطها الأولى تلوح قبل أكثر من نصف قرن من وقوع المحرقة مع بداية تأسيس الحركة الصهيونية واعتمادها برنامج إقامة «وطن قومي» لليهود على أنقاض وطن الشعب الفلسطيني في فلسطين، باعتبار ذلك «حقاً تاريخياً». * كاتب فلسطيني