نفى عضو هيئة كبار العلماء، عضو المجلس الأعلى للقضاء الدكتور علي عباس حكمي، أن تكون الهيئة التي انضم إلى عضويتها أخيراً، تنحاز للمذهب الحنبلي في كل الأحوال، وإنما تنتصر في قراراتها وفتاواها ل«الدليل الشرعي»، وربما رجحت قولاً يخالف المذهب الحنبلي. ويبرّر حكمي تباطؤ بعض الفقهاء في الخروج برأي موحد في مسائل بعينها، بتوجه فقهي قديم بين شرائح من الفقهاء، لا يرون استباق الأحداث أو افتراضها، وإنما يفضلون انتظار النوازل حتى تقع، ثم من بعد ذلك يدلون فيها بفتاواهم الشرعية. ومع أن الفقيه الذي تنقل بين جامعة أم القرى ومجلس الشورى، قال إنه لم يكن انضمامه إلى هيئة كبار العلماء مفاجئاً، إلا أنه أقر بأن التشكيل الجديد للهيئة راعى إلى جانب الكفاءة، التنوع المناطقي، لكنه اعتبر الوطن جسداً واحداً يمثل بعضه بعضاً. في ما يأتي نص حوار معه. لنبدأ من آخر حدث مرّ بك، وهو تعيينك عضواً في هيئة كبار العلماء... ماذا يعني لك هذا المنصب، وأنت إحدى الشخصيات التي تعلق عليها الآمال في إكمال مسيرة «الرعيل الأول» في الهيئة؟ - يعني لي الشيء الكثير، أولاً المسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى، ثم أمام من أعطاني هذه الثقة، وأحسن الظن ووقع اختياره علي وعلى إخواني وزملائي أعضاء المجلس، وهذه المسؤولية ليست بالمسؤولية السهلة لأنها تحمل بيان ما أوتينا من العلم، وما علمناه من علم الشرع للناس، نسأل الله تعالى أن يعيننا عليها. على المستوى الشخصي... ماذا أضافت لك؟ - لا شك في أنها تضيف مسؤولية أكبر، خصوصاً المسؤولية الاجتماعية، عبر ما يتوقعه الناس من نفع في مجالك، ومن جهة كونك أصبحت في مكانة اجتماعية معينة تجعلك تحسب لتصرفاتك ألف حساب، أما ما فيها من حظوظ النفس فلا شك أن الإنسان يفرح بما آتاه الله من حظ في الدنيا، ومنه ثقة ولاة أمره فيه والتي تبعث النفس على الاعتزاز. هل يعني هذا أن خبر تعيينك في هيئة كبار العلماء كان مفاجئاً؟ - لم يكن مفاجئاً بمعنى الكلمة، وذلك أنني كنت قبل الهيئة عضواً في مجلس الشورى، وقبل مجلس الشورى كنت أستاذاً في الجامعة، وكان طموحي أن أكمل مسيرتي التعليمية التي سرت فيها من بداية الأمر، و لم أكن أتطلع إلى منصب من المناصب التي عينت فيها، ولم أسع لها بتلميح أو تصريح، لكن الناس يتصورون أحياناً أن فلاناً مناسب لهذا المنصب، ويقولون لك ذلك، لهذا لم يكن الأمر مفاجئاً، ولكن كان شيئاً في الحسبان. أعضاء مجلس الشورى روعي في اختيارهم جانب الكفاءة ثم المناطقية... فهل في هيئة كبار العلماء كان الأمر كذلك؟ - سأجيبك بناء على قناعتي الخاصة يجب أن نعتبر الوطن كياناً واحداً، ومن هذا المنطق يجب أن يكون الاختيار للمنصب من منطلق الكفاءة وليس من منطلق الجهة أو المنطقة لأن المقصود هو أداء هذه المهمة كما يجب، و قد يكون تعيين هذا الشخص في منطقته أو في قومه من الأشياء المساندة لأداء هذه المهمة على أكمل وجه، وهذا من التوازن المطلوب، ولذلك لاحظنا التنويع في الكفاءات، والمناطق. وماذا يضيف هذا لك، خصوصاً أن منطقتك (جازان) في كثير من الحاجة إلى الجاه وإلى التعليم والدعم؟ - بالطبع يلقي عليّ مسؤولية أكبر مقارنة بزملائي من مناطق أخرى أكثر تطوراً، وهذا يؤكد نظرية ولي الأمر في التنويع لرفع مستوى جميع المناطق. ماذا تعتقد أنه بوسعك أن تفعل لمنطقتك، بحكم نفوذك الجديد؟ - أولاً وليست مجاملة أريد القول بأن صوت المواطن ولله الحمد يصل إلى ولي الأمر حفظه الله من جميع المناطق، ويتلمس هو بنفسه حاجاتهم ولو لم يقولوا، وهذا يساعدنا نحن الذين أنيط بنا نوع معيّن من التكليف في خدمة المناطق الأولى بالمساعدة، لا لأن بينها منطقتي أو منطقة فلان، ولكن لأن هذا هو الأولى، ونسأل الله تعالى العون والسداد. أتيت إلى «هيئة كبار العلماء» وهي في مرحلة مفصلية من تاريخ المملكة، كيف وجدتها، هل فقهاؤها مثل ما يقال «حنبليون متنطعون ومتشددون»، أم أن هناك بحبوحة علمية مثل التي عهدتها في بحثك العلمي، صف لنا الأجواء؟ - هذا سؤال مهم، لأننا نسمع الآن في الإعلام أن هناك أحادية في الرأي، وأن هناك تركيزاً على مذهب معيّن، وأن هناك إقصاء لبعض الآراء، والحقيقة التي ندين الله بها والتي تعلمناها وعرفناها أن هذا التصور لا وجود له، ليس في الهيئة فحسب بل في البلاد بشكل عام، بمعنى أنه لم يقصد أن تستبعد فئة معينة أو مذهب معيّن من المذاهب الإسلامية المعتمدة أو المعتبرة، لا بحثاً ودراسة ولا تطبيقاً عملياً في ما يتعامل به الناس ويتعبدون الله به، وكما يقول أهل العلم عندنا العامي مذهبه مذهب من يفتيه، فليس هناك حجر على أنه يجب أن تعبد الله على مذهب الإمام الحنبلي، ودراستنا وتدريسنا مبنيان على هذا الأساس وهو أن الشريعة الإسلامية عبارة عن قسمين: أصول وفروع. فالأصول لا يمكن أن يختلف عليها أهل السنة والجماعة بمذاهبهم كافة، أما الفروع التي هي مجال الاجتهاد فاختلف فيها في العالم الإسلامي منذ القرن الثاني الهجري إلى ما شاء الله، وهي أربعة مذاهب مشهورة ومعروفة ومتبعة في التاريخ الإسلامي. يبقى كيف تعمل هيئة كبار العلماء، في الظاهر مذهبها المذهب الحنبلي، لكن ما يصدر عنهم من قرارات هل منشؤه حنبليتهم أم علمهم الواسع؟ لهذا تجد مادة الفقه المقارن مادة أساسية تدرس في الجامعات الشرعية. انظر إلى الفتاوى والقرارات التي تصدر عن «الهيئة» ستجدها تعتمد على الكتاب والسنة، وبعضها يخرج عن المذهب الحنبلي لقوة الدليل في مذاهب أخرى. ذكرت الآن انفتاح العلماء على المذاهب الأربعة، فما سر ترك العلماء منذ وقت مبكر لما اقترحه عليهم الملك عبدالعزيز في تدوين مجلة عدلية في المذاهب الأربعة، وكأنهم أصرّوا على أن يكون القضاء وفق المذهب الحنبلي؟ - أولاً هذه القضية ليست وليدة الساعة، بل هي موجودة منذ القرن الثاني الهجري، في القرن الثاني الهجري وفي عهد الخليفة أبوجعفر المنصور عرض عليه أحد الأدباء وهو ابن المقفع أن تكون هناك مدونة تجمع الناس على حكم واحد، ولكن أهل العلم لم يقبلوا بذلك على رغم عدم وجود المذاهب في ذلك الوقت، وظلّ يعرض هذا الموضوع من فترة لأخرى حتى عرض في الفترة الأخيرة على الملك ولاقى قبولاً منه بإصدار مدونة، ولكن حين عرض الأمر على هيئة كبار العلماء أعضاء الهيئة الأولين كان رأيهم من رأي العلماء السابقين في أن التدوين وسيلة إلى الإلزام، كما أنه وسيلة إلى إضعاف همم أهل العلم بالاجتهاد، وهذه وجهات نظر علمية. إذا لم يكن المقصود التقيّد بمذهب معيّن، فلماذا كان القرار في عهد محمد بن إبراهيم، القضاء بالمذهب الحنبلي حين لم يقتنعوا بالتدوين؟ - ألم تسمع جوابي من قبل، وهو أنه في كل حين من الزمان يغلب على القضاء مذهب معيّن. وهل هذا صواب أم خطأ؟ - مذكور في كتب أهل العلم انه هل يجوز للحاكم أن يحدد مذهباً يحكم به أهل العلم أم لا، وهذه قضية معروفة بين أهل العلم، وأكثرهم يقول انه ليس له أن يشترط عليه الحكم بمذهب معين، ولو اشترط عليه فبعض أهل العلم يقول بالجواز. لماذا الوعي السياسي متقدم على وعي العلماء، الملك عبدالعزيز أدرك في وقت مبكر الحاجة إلى مثل هذه المجلة وهذا التدوين، ثم الملك فيصل لكن العلماء رفضوا هذه القصة إلى وقت قريب؟ - سؤال جيد، ولكنني سأعود بك لمسألة نظر الفقهاء والعلماء للنوازل التي تنزل على هذه الأمة وبيان أحكامها، فإن نظرة الفقهاء إليها كانت مبنية على أن يدعوها حتى تكون ولم يكونوا يفترضون الوقائع ويجدون لها أحكاماً وإنما كانوا يتكلمون على الواقع فقط. وهل هذه نظرية صالحة لهذا الزمان؟ - هم يقولون ان التوسع في افتراض الأحداث قد يشغلهم عن النظر للواقع، أما ما يخص سؤالك في أن ولي الأمر يسبق أهل العلم في النظر للأمور فهذه مسلمة تحسب لولاة أمرنا من واقع العمل والمعاناة والممارسة، أما لماذا يتأخر أهل العلم في الاستجابة؟ فأولاً لأن الاستجابة يجب أن تكون مدروسة ومأخوذ فيها الحكم من أدلته، وهذا قد يحتاج إلى وقت، أما السبب الثاني فهي الحاجة إلى الاجتهاد والحوار والنقاش حتى يقتنع الأغلبية بالموافقة على أمر معين، هذا من حيث الإجراء، أما من حيث التأخر في الاستجابة بالجملة فلا أظن انه بهذا الحجم الذي يقال. الآن يقال ان هناك طائفة أخرى من الفقهاء لا يأتي رأي ولي الأمر في مسألة خلافية إلا وذهب فريق منهم بحمل راية الرأي الآخر، ولا أريد ذكر أمثلة مع شهرتها؟ - القاعدة يجب أن تطبق على الجميع وهذا رأيي، المسائل الخلافية التي يكون الاختلاف فيها بين أهل العلم لا يجوز لأحد المختلفين أن يلزم الآخر برأيه، كما أن ولي الأمر إذا اختار احد الاجتهادات في هذه المسألة الخلافية، أو حكم القاضي بأحد الآراء المختلف فيها فيجب على المخالف أن يسكت ولا يعارض ويبقي رأيه لنفسه. لماذا بعض فقهائنا لا يطبقون هذه القاعدة في ظنك؟ - الأغلب من العلماء ومن طلبة العلم يطبقون هذه القاعدة وليسوا كما يذكر الإعلام، وهناك بعض الشذوذ عن الجماعة ولكن لا عبرة به ولا يؤثر في المسيرة، ولا على القرار المتخذ.