دقّ الفنان ماهر السامرائي، أستاذ فن الخزف في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد، ناقوس الخطر منبّهاً الى ما يتعرض له «فن الخزف» في العراق من تهديد بالتلاشي والزوال. وألقى السامرائي الذي يعتبر من أقدر فناني الخزف وأكثرهم تجدّداً، المسؤولية على الاحتلال الأميركي وما جره على البلد من أوضاع سيئة. وقال ل «الحياة» إن «الاحتلال قصم ظهر هذا الفن». ويشرح السامرائي أن الخزف «فن يعتمد بالدرجة الأولى على الطاقة الكهربائية التي تستمر ساعات متواصلة من غير انقطاع، وهذا غير متوفر منذ سنوات، ولا يمكن تحقيقه بسهولة في الوقت الحاضر نتيجة لما أصبح يعانيه البلد ككل من شح في الطاقة يصل الى حد انعدامها في كثير من الأيام». الأمر الذي حكم على العملية الفنية في هذا الفن بالتوقف. ويضيف: «إذا كانت سنوات الحصار في التسعينات شتّتت فناني الخزف، فهاجر بعض منهم الى بلدان أخرى وانتهت بهجرتهم ظاهرة المعارض الجماعية، فإن الاحتلال الأميركي للعراق قصم ظهر هذا الفن». ووصف حالة الخزف اليوم بالمتراجعة والمحتضرة، «فمن بين سبعين فناناً خزافاً لم يتبق هنا سوى سبعة». أما طلبة هذا الفن في كل من معهد الفنون والأكاديمية، فهم «يعيشون حالة احباط كون النماذج العملية غائبة من أفق دراساتهم»، الأمر الذي يجده قد شكل عزوفاً عن الاقبال على التخصص في هذا الفن، يرجو أن لا يدوم... «هذا فضلاً عن أن فن الخزف لم يعد حاضراً كما كان في المعارض الشخصية والمشتركة». وعما إذا كانت هناك بدائل ل «الفرن الكهربائي» الذي خرج من دائرة الاستخدام في الوقت الحاضر، يشير السامرائي الى إمكان الاستعاضة عنه بالفرن الغازي. ولكن يقول مستدركاً «إن هذا يتطلب أموالاً لا تكون متيسرة لغالبية من يمارسون هذا الفن». ويضيف: « هذا ما أوصاني به استاذ خزافي العراق فالنتينوس في لقائي الأخير به قبل أيام في بيروت إذ نصحني بهذا الاستبدال كي لا نتوقف. وقال لي: إن هذا الفن الذي وضعت أسسه الأولى في المدينة التي أحببت، بغداد، ورعيته أكثر من ثلاثين سنة، أضعه اليوم أمانة بين أيديكم، أنتم طلبتي المتميزون، وأملي كبير أن تحافظوا على هذه الأمانة برعاية هذا الفن وصونه، وادامته، كي يعاود وضعه المتميز بتحسن ظروف البلد وزوال العوائق التي تقف أمامكم اليوم». ويقول السامرائي إنه أبلغ هذه الرسالة الى زملائه في القسم، وهم 15 أستاذاً.. هذا كل من بقي، ولا يواصل العمل في هذا الفن منهم سوى اثنين... فقط!» والسامرائي يتواصل مع ما أدخل إلى الخزف من أفكار ورؤى جديدة، مدعماً رؤيته الفنية وخبرته الشخصية، العملية والنظرية، برؤى أساتذته وخبراتهم، بدءاً من القبرصي فالنتينوس الذي وضع الأسس الأولى لهذا الفن في بغداد عام 1956، وصولاً الى سعد شاكر واسماعيل فتاح. وعمل مع أساتذته على الانتقال بالخزف من كونه «فناً للاستعمال» الى فن له مقوماته الجمالية الواضحة، شأنه شأن الرسم والنحت... اما التطور الذي أدخله هو شخصياً فيتحدد في ما يسميه «النحت الخزفي التجريدي» الذي يعده مكملاً للنحت الفخاري الذي كان الفنان اسماعيل فتاح رائداً فيه.