احتفل أهالي ينبع النخل التابعة لمنطقة المدينةالمنورة مطلع الأسبوع الماضي بعودة نهر «عين عجلان» الذي يصب من ناحية جبل رضوى، بعد أن جف ماؤه واندثرت ملامحه قبل ما يزيد على 30 عاماً. وردد أهالي القرية في شريعة عين عجلان بعد أن شاهدوا النهر يتدفق من فوهة العين: «عين عجلان يا روحي»، فمنهم من جاء به الحنين وخنقته الدموع أمام انحناء أعجاز نخيل عين عجلان بعد موته، ومنهم من حضر مع من الركب ليستمع لقصص الأجداد ويشم رائحة الحناء، عبر قصص يرويها بعض من بقي من جيل مضى. عين عجلان أو نهر عين عجلان، واحدة من 365 عيناً كانت جارية في وادي ينبع النخل، وتبلغ مساحة هذه القرية الأكبر في هذا الوادي سبعة كيلومترات، وتحوي ما يزيد على سبع «حلل»، وهي حارات يؤدي إليها طريق اسمه «الدبل»، ينطلق من بداية القرية إلى نهايتها، وبها 13 مشرعاً، والمشرع عبارة عن مكان بيضاوي الشكل يتوسط الساقي الرئيس الخارج من فوهة العين، ويستخدم المشرع لخدمة أهل القرية القريبين منه في الاستحمام والشرب والغسل، ومن أشهر المشارع في القرية الجمري والموهية وابن دريب. «سقى الله الحجاز وينبعيه وما حويا من الخير المهول.. فينبع بحرهم نفع البرايا وينبع نخلهم مثوى العقول». هذا ما قاله الرحالة الشيخ عبدالغني النابلسي عام 1105ه عن ينبع النخيل، التي حوت في جوفها 360 عيناً بما يقارب عدد أيام السنة، تسقي بساتين ذلك الوادي لقرون طويلة، استهوت من خلالها الركبان وطلاب العلم والرحالة، وبقيت مقصد الكثيرين منهم، تسكنها قبائل جهينة وحرب والأشراف. وارتبط اسم ينبع النخل تاريخياً بالنبع الخارج من الأرض، واشتهرت بالنخيل والمياه العذبة المنبثقة من بين الأحجار المرصوفة على شكل ضفائر محكمة، ويطلق عليها أهالي ينبع «القصب» والمتدفقة من أحشاء الأرض، وتتوسط المسافات بينها «فقر»، وهي غرف تفتيش كبيرة تسمى «الفقير»، وجعلت منها عيون ينبع أغنية الركبان ومقصد الرحالة وممر الحجيج، وذكرت في رحلة الجزيري (959ه)، ورحلة ابن خلدون (965ه)، ورحلة محمد الحسيني (1039ه)، ورحلة الوزير الشرقي الإسحاقي (1143ه)، وغيرهم، والذين أشاروا إلى أنها «مثوى العقول وبلاد العيون التي لا تهدأ»، وبقيت غالبيتها صامدة حتى مطلع هذا القرن الهجري. ومن العيون التي بقيت حتى وقت قريب: البثنة، والسكوبية التي كان ماؤها دافئاً حتى في وقت الشتاء، وعجلان، والجابرية، وحسن، وعلى الحربية، والمبارك، والمزرعة، وخيف فاضل، وحسين نسبة إلى الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، ويطلق على هذه العيون في حجج الاستحكام القديمة، أنهر، وهي جمع نهر. ولينبع النخل شهرة واسعة في صدر التاريخ الإسلامي، فمع كثرة عيونها التي سميت بأسماء الصحابة رضي الله عنهم، فهي تحوي شواهد تؤكد تحضّرها على مر العصور، وبقيت قروناً مثوى للعقول وطلاب العلم والرحالة، واحتضن بين بساتينه الأهل والضيف والجار. شيخ القرية أو مأمور النهر والذي يسميه أهالي ينبع «قيم الخيف» عادل رجاء الله الشريف شيخ عين السكوبية وعين عجلان قال ل«الحياة»: «كل عام أحضر لمخرج نهر عين عجلان، وأقوم بتنظيف الشريعة (فوهة العين)، ولم ينقطع أملي وتحققت أمنيتي، وعادت عين عجلان إلى الجريان من جديد، وسنزرع النخيل ونعيدها لسابق عهدها بمساعدة أبناء القرية الذين ما إن علموا بعودة الماء إلى الجريان حتى تقاطروا لحفر مجرى النهر في منظر مر عليّ كالحلم، ليعيدني إلى أكثر من 38 عاماً، حين كان يجتمع أصحاب النخيل لتنظيف العين، لأنها تحتاج إلى صيانة كل فترة، وكان النخالة ذلك الحين يعتمدون على أنفسهم». وكانت «الحياة» نشرت في عددها الصادر (الخميس) 16 أيار (مايو) 2013، تقريراً بعنوان: «جفاف 365 عيناً... والجهات الحكومية تتحفظ على التعليق». وحاولت «الحياة» التواصل مع الجهات الحكومية من رئيس للبلدية وأمانة المدينةالمنورة عن أسباب جفاف العيون في ينبع النخل من المياه، والتأكد عما قيل إنها تعرضت للتخريب العام جراء وضع المخططات السكنية عليها، إلا أنها رفضت الإجابة عن ذلك. الشريف: صيانة العين تحتاج إلى مليون ريال... ولا نملك إلا 12 ألفاً قال شيخ القرية عادل رجاء الله الشريف: «إن ما وجدته في حساب العين لا يتجاوز 12 ألف ريال، بقي من تبرعات ودعم قام به بعض أصحاب النخيل ذلك الزمن، وهذا المبلغ زهيد بالنسبة لما يحتاج إليه نهر عين عجلان من صيانة حالياً، خصوصاً أن فترة انقطاع النهر كبيرة، ويوجد 110 أفقر تابعة للنهر منهارة وتحتاج إلى صيانة». والفقير يأتي على شكل بئر، يتم تنظيف العين من خلاله. ويوجد منه ما هو «طيار» واضح المعالم فوق الأرض، وآخر سري تحت الأرض، ويتم الرجوع إليه في حال تهدم. وطالب الشريف جهات المسؤولية الاجتماعية بدعم عيون ينبع النخل، لافتاً إلى أنه لا توجد لها موارد ولا يوجد أي جهة حكومية مسؤولة عنها، وتحتاج إلى صيانة ومبالغ ربما تصل لأكثر من مليون ريال. وزاد: «وادي ينبع النخل تعرض للحفر الجائر منذ السبعينات الهجرية، أثناء سحب المياه لسقي ينبع البحر، ما أسهم مع قلة الأمطار في جفاف الماء من الوادي». وأضاف: «قرى ينبع النخل كانت عبارة عن واحات مترابطة من النخيل، وكانت تصدّر التمر والحناء إلى قارة أفريقيا، ولكنها أهملت وسمح للبعض بالحفر الجائر، ولم تراقب عملية نزح المياه، وكذلك أسهمت ينبع الصناعية حين إنشائها في نزح كميات كبيرة من الماء، إضافة إلى إنشاء السد وعدم إخراج الطمي منه، ليزيد الطين بلة». وأوضح شيخ القرية أن تدخل محافظ ينبع المهندس مساعد السليم في عملية عدم احتجاز السد للماء هذا العام، «يشكر عليه، إذ لم تقتنع وزارة الزراعة منذ ربع قرن بأن احتجاز الماء على أرض شبه صلبة يجعل الماء يتبخر، ولا تستفيد منه الأرض». ودعا الجهات الرسمية إلى الإسهام في ترميم مجرى نهر عين عجلان، موضحاً أن هناك عدة «خيوف» تحتاج إلى صيانة، ويصل عمقها إلى عشرات الأمتار.