تقدم دونالد ترامب مرشح الانتخابات الرئاسية الأميركية عن الحزب الجمهوري على جميع منافسيه من المرشحين عن الحزبين الجمهوري والديموقراطي في مواقع التواصل الاجتماعي وتفوق في العالم الافتراضي على باراك أوباما الرئيس الأميركي وماكينته الانتخابية الالكترونية التي كان لها الفضل الكبير بنجاح حملة أول رئيس اميركي من أصول أفريقية عام 2008 وتجديد ولايته الرئاسية عام 2012. يتجاوز عدد أصدقاء رجل الأعمال النيويوركي على الفيسبوك الثمانية ملايين ويبلغ عدد أتباعه على تويتر رقماً مماثلاً على رغم أن التغريد اليومي على تويتر عادته المفضلة منذ إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية، قبل نحو عام ودخوله معترك السياسة الأميركية من بابها الافتراضي هو القادم من عالم المال و الأعمال ونجومية تلفزيون الواقع. وانعكس نشاط ترامب على شبكة الانترنت ونيله لقب «ملك السوشيل ميديا» تقدماً كبيراً على منافسيه من مرشحي الحزب الجمهوري المدعومين من المؤسسة الحزبية ولوبيات الضغط ومحطات التلفزة ولم تنجح الحملات الدعائية التي مولها أعداؤه الكثر في الحد من اتساع شعبيته بين قواعد الجمهوريين، خصوصاً الأجيال الشابة والموظفين والعمال من الأميركيين ذوي الأصول الأوروبية. ويذهب البعض إلى اعتبار ظاهرة ترامب السياسية ظاهرة «سوشيل ميدية» وواحدة من مساهمات تطور وسائل التواصل الاجتماعي وآثارها في الحياة السياسية الأميركية، وتحديداً على هوية الحزب الجمهوري ومفاهيمه التقليدية حول قيم المحافظة الدينية والعائلة والمرأة. فالماكينة الانتخابية لهذا الرجل الثري الذي تتجاوز ثروته العشرة بلايين دولار اعتمدت بالدرجة الأولى على الفضاء الالكتروني لترويج الخطاب الانتخابي لترامب، وأعادت نشر تغريداته ملايين المرات على حسابات أتباعه وأصدقائه في مواقع التواصل الاجتماعي. ويفاخر الرجل الثري بأن الكلفة المالية لحملته الانتخابية الناجحة تعتبر ضئيلة جداً، مقارنة بملايين الدولارات التي صرفها منافسوه لتشويه صورته من خلال عشرات آلاف الأشرطة التلفزيونية الدعائية المدفوعة. ما يعني تفوق وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة على محطات التلفزة ووسائل الإعلام التقليدية في الترويج الانتخابي على رغم حداثة عهدها في هذا المضمار. ومن المفارقات التي شهدتها المحطات الانتخابية في الأشهر الأخيرة أن ما اعتبرته وسائل الاعلام التلفزيوني الأميركية زلات لسان و «سقطات «وقع فيها ترامب مثل اتهامه المهاجرين غير الشرعيين من المكسيك بأنهم مجرمين ومغتصبين وتجار مخدرات أو دعوته إلى منع المسلمين من دخول الولاياتالمتحدة كانت تحسب لمصلحته في صناديق الاقتراع واستطلاعات الرأي. وكذلك الأمر بالنسبة إلى ما اعتبر هزائم تلفزيونية لترامب، خلال سلسلة المناظرات المباشرة مع بقية المرشحين الجمهوريين التي ما لبثت أن تحولت إلى انتصارات انتخابية لدى الرأي العام الأميركي، بعد تحولها إلى مادة سجال ونقاش على صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي. وبموازاة ظاهرة ترامب لدى الجمهوريين وارتباط اتساع شعبيتها بوسائل التواصل الالكتروني تبرز ظاهرة بيرني ساندرز المشابهة لدى الديموقراطيين. فالمرشحان هما من خارج المؤسستين الحزبيتين الجمهورية والديموقراطية. ويحظى ساندرز أيضا بشعبية واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً وسط الأجيال الشابة وطلاب الجامعات وهؤلاء من الفئات الأنشط في العالم الافتراضي. كما يعزى للمرشحين دورهما في إضفاء صبغة جديدة على السجالات السياسية واستحداث معايير وأخلاق سياسية جديدة تتباين مع الخطاب التقليدي للحزبين. ومثلما قرب ترامب الجمهوريين أكثر من القيم الليبرالية أجج ساندرز النزعات اليسارية في الحزب الديموقراطي وأطلق دعوته إلى الثورة السياسية وإشراك فئات أميركية جديدة في العملية السياسية. وقد كانت مواقع التواصل الاجتماعي والعالم الافتراضي المنصة الملائمة لتبني خطابهما السياسي الحديث.