يسجل للرئيس الأميركي باراك اوباما أنه اول من اعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي في الحملات الانتخابية في تاريخ الانتخابات الرئاسية في الولاياتالمتحدة. هذا كان عام 2008، لكن مع انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016 يبدو واضحاً ان دور «السوشيل ميديا» سيكون أكثر تأثيراً وفعالية في المعركة الانتخابية التي انطلقت بين المرشحين للوصول الى البيت الابيض آخذين في الاعتبار التطورات التقنية الهائلة التي شهدها هذا القطاع في السنوات القليلة الماضية والاشواط الكبيرة التي قطعتها مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الالكترونية على صعيد التوسع الجماهيري وتحولها الى مصدر سريع للمعلومات والاتصال بالنسبة إلى مئات ملايين المتجولين في الفضاء الافتراضي. وأظهرت دراسة صدرت حديثاً في الولاياتالمتحدة عن مركز»بيو ريسيترش سنتر» ان 63 في المئة من زوار مواقع التواصل الاجتماعي يستفيدون من الخدمات الاخبارية التي تقدهها هذه المواقع. ويظهر هذا الرقم مدى تنامي اهتمام الجمهور ب «السوشيل ميديا» واعتمادها مصدراً للمعلومات والاخبار مقارنة بدراسة اجريت عام 2013 اظهرت ان 52 في المئة من متصفحي «تويتر» و43 في المئة من متصفحي موقع «فايسبوك» يتابعون الاخبار والتطورات في الولاياتالمتحدة والعالم من خلال هذين الموقعين دون وسائل الاعلام التقليدي. ويقول الناطق باسم موقع «فايسبوك» اندي ستون إن وسائل التواصل الاجتماعي تقدم ما لا يمكن لوسائل الاعلام التقليدية تقديمه للحملات الانتخابية، إذ صار في إمكان المرشح توجيه رسالة إعلامية ذات اهداف محددة لفئة معينة من الناخبين في منطقة جغرافية من فئة اجتماعية أو عرقية معينة خلال فترة محددة. وقد رصد السياسيون الاميركيون تطور العلاقة بين المهتمين بالشأن العام ومواقع التواصل الاجتماعي، وانعكس ذلك في خططهم وموازنات حملاتهم الانتخابية وسارعوا الى إنشاء منصات وصفحات للترويج لبرامجهم الانتخابية وانتقاد مواقف المنافسين وبرامجهم. واختار العديد من المرشحين الحاليين للإنتخابات الرئاسية الفضاء الافتراضي لإعلان ترشحهم وإطلاق حملاتهم الانتخابية، منهم المرشحة الديمووقراطية هيلاري كلينتون التي اعلنت ترشيحها بفيديو من دقيقتين نشرته على «يوتيوب» في نيسان (ابريل) الماضي، سبقها الى ذلك تيد كروز السيناتور الجمهوري عن ولاية تكساس، فيما اختار حاكم ولاية ويسكونسن سكوت ووكر اعلان دخوله سباق الترشيح عن الحزب الجمهوري بتغريدة على «تويتر». لا يختلف اثنان على ان الدور المتنامي ل «السوشيل ميديا» خلال السنوات الماضية جاء على حساب وسائل الاعلام التقليدية من محطات تلفزة وصحافة مكتوبة. وقد تكون هذه الاخيرة الأكثر تضرراً من انتقال ملايين المهتمين بالشأن العام الى الفضاء الافتراضي، ما جعلها تخسر حصة لا بأس بها من موازنات الحملات الانتخابية في السنوات الاخيرة. وانعكس ذلك تناقصاً سنوياً حاداً بعدد العاملين في مجال الصحافة المكتوبة، من نحو 54 الف متفرغ في الصحف اليومية الاميركية اواخر تسعينات القرن الماضي الى اكثر من ثلاثين الف متفرغ بقليل العام الماضي وفق دراسة اجرتها مؤسسة «اميركان سوسايتي أوف اديترز». طبعاً تدارك الكثير من المؤسسات الصحافية الأخطار المستجدة بسبب ازدهار «السوشيل ميديا» باللجوء الى خيار صحافة الرقمية التي باتت الظل الافتراضي لنسخات الصحيفة المطبوعة. بدورها حاولت محطات التلفزة الاميركية الكبرى الحد من خسائرها واستيعاب آثار تسونامي «السوشيل ميديا» الذي اجتاح كافة مجالات الاعمال في الولاياتالمتحدة . لا يقتصر الامر هنا على استقطاب الجمهور بل يطاول بالدرجة الاولى الاستحواذ على بلايين الدولارات التي تصرف سنوياً في الولاياتالمتحدة على الاعلانات. ومن هذه الاموال التي يستثمرها السياسيون في حملاتهم الانتخابية واعتادت محطات التلفزيون ان تنال حصة الاسد منها. الامر تغير في السنوات الاخيرة مع دخول شركات «السوشيل ميديا» الى المنافسة بحيث باتت اليوم شريكاً موازياً للإعلام المتلفز في اموال الدعاية الانتخابية. وتتوقع احصائية أجرتها مؤسسة «بوريل»، وهي شركة احصاءات واستطلاعات رأي أميركية، ان تصل حصة شركات «السوشيل ميديا» من نفقات السياسيين على حملات الدعاية في معركة انتخابات الرئاسة في 2016 الى بليون دولار بعدما كانت قد بلغت 159 مليون دولار خلال انتخابات 2012. المعادلة الآن أصبحت متوازنة: مقابل كل دولار يذهب لحساب محطات التلفزة من حملات المرشحين لانتخابات الرئاسة عام 2016، هناك دولار يصرف على الدعاية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. وتتوقع دراسة «بوريل» ان تتغير المعادلة بعد خمسة اعوام بشكل دراماتيكي وتستحوذ الشركات العاملة في مجال التواصل الاجتماعي على معظم الاموال التي يدفعها السياسيون والاحزاب المتنافسة في الانتخابات، اذ من المرجح ان تنال شركات «السوشيل ميديا» ثلاثة دولارات مقابل كل دولار تناله محطات التلفزة. بناءً على ذلك اختارت قناة «فوكس نيوز» التلفزيونية مشاركة موقع «فايسبوك» في تنظيم المناظرة الاولى لمرشحي الحزب الجمهوري والتي سجلت رقماً قياسياً في المشاهدة، فقد تابع النقل التلفزيوني المباشر للمناظرة نحو 25 مليون مشاهد، وهذه سابقة في تاريخ المناظرات الانتخابية في الولاياتالمتحدة. وبغض النظر عن مدى صواب وجهة نظر دونالد ترامب نجم تلفزيون الواقع، والمنافس القوي لنيل ترشيح الحزب الجمهوري، واعتبار نجوميته وراء هذا الرقم القياسي التلفزيوني، فإن دور وسائل التواصل الاجتماعي كان فاعلاً في الترويج للمناظرة ومواكبتها الفورية وفتح النقاشات والدردشات بشأن نتائجها. وأظهرت الاحصاءات ان 7,5 مليون اميركي ساهموا بنحو عشرين مليون مشاركة على فايسبوك (ستاتوس، شير أو تعليق) لإبداء آرائهم في المرشحين والمسائل التي أثاروها خلال المناظرة.