«لو لم ينشغل الحوثيون بالحرب لكان هدفهم الثالث تصفية محافظة صعده من الزيدية التقليدية» يقول الباحث حسين الوادعي ل «الحياة»، مشيراً الى اسلوب التطهير الذي تمارسه ميليشيا الحوثيين الشيعية التي تمكنت خلال فترة وجيزة من تهجير خصومها من اتباع مذهب السنة واجتثاث يهود اليمن ما جعل البلد الموصوف بالموطن الأول للتوراة خالياً من الطائفة الدينية الأقدم. اختفاء اليهود من اليمن لم يكن وليد اللحظة بل نتيجة تراكم تاريخي ترسخ على مدى قرون. ولا غرابة أن تأتي «ثورة 11 فبراير» الشبابية التي رفعت شعار دولة المواطنة المتساوية، مكرسة لهذا الإرث التمييزي. وهكذا بدا إجبار تلميذة يهودية يمنية على ترديد شعار جماعة الحوثيين المعروف بالصرخة: «الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام»، بمثابة المشهد الختامي لقرون من التمييز ضد الأقليات. ولئن نظر الى ثورات الربيع العربي بوصفها لحظة فارقة تقطع مع تراث الاستبداد والتمييز، وترمي الى بناء الدولة الحديثة، بيد أن هذه الثورات ومنها «ثورة 11 فبراير» الشبابية السلمية، التي أجبرت في 2011 الرئيس اليمني علي عبدالله صالح على التنحي عن الحكم لم تخرج عن نهج الثورات العربية التقليدية التي ترفع شعارات قلما تجسدت على ارض الواقع. «كانت الألغام كثيرة ومتفجرة». تقول اروى عثمان رئيسة فريق الحقوق والحريات في مؤتمر الحوار الوطني، مشيرة الى ممانعات كثيرة واجهت محاولة تضمين وثائق مؤتمر الحوار مواد تقر بحقوق الأقلية اليهودية. وباستثناء التجمع الوحدوي اليمني وهو حزب يساري صغير، وافقت بقية القوى السياسية المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني بما فيها الحزب الاشتراكي اليمني اكبر احزاب اليسار، على جعل الشريعة الاسلامية مصدراً وحيداً للتشريع في الدولة الاتحادية الجديدة. وأظهر فيديو نشره ناشطون ووسائل إعلام، ابنة حاخام الطائفة يحيى يوسف يعيش وهي تجبر على ترديد صرخة الحوثيين مقابل السماح لها برؤية والدها المعتقل بتهمة تهريب مخطوطة يمنية من التوراة، تعود إلى 600 عام حملها معهم 19 يهودياً يمنياً وصلوا الى اسرائيل الشهر الماضي، في عملية عدتها الوكالة اليهودية خاتمة مهمة تاريخية تنفذها منذ 1948. ويقول الباحث الشاب حسين الوادعي: «جماعة العنف التقليدي تكتفي بالسيطرة الخارجية على حركتك تاركة لك حق الانسحاب او الصمت او الغضب المكبوت، أما الارهاب فإنه لا يكتفي بقمعك وتقييد تصرفاتك بل ويسعى الى السيطرة على حياتك الداخلية وضميرك. فهو يحرمك حتى من حق الصمت او التواري او الغضب ولا يرضى الا بعد ان يسمعك تمدح إرهابه ووحشيته». وتتهم ميليشيا الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح التي تسيطر على صنعاء ومعظم المحافظات الشمالية بتهجير ما تبقى من عائلات يهودية الى اسرائيل ما جعل اليمن خالياً من اليهود باستثناء الحاخام يحيى يوسف الذي رفض وعائلته مغادرة وطنه. ويقول الوادعي ل «الحياة» إن اجتثاث الحوثيين ليهود اليمن مرده الرغبة في النقاء العقائدي عند الجماعات الدينية، ومحاولة التسلق على القضية الفلسطينية عبر ابداء العداء الاستعراضي لليهود حتى ولو كانوا مواطنين يمنيين. وتتهم الاحزاب السياسية بعدم الانعتاق من إرث الثقافة الشمولية والجمع بين السياسة والعنف. ويقدم الحوثيون خير مثال على هذا الالتباس فهم خاضوا 6 جولات من القتال (2004-2009) ضد نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح بدعوى أنهم أقلية مضطهدة اثبتوا، كما يرى يمنيون كثر، أنهم اللغم الأكبر الذي زرعه صالح واستخدمه منذ 2004 لإضعاف خصومه داخل النظام. وكشفت أروى عثمان ل «الحياة» عن تصدي ممثلي الحوثيين وحزب تجمع الإصلاح الإسلامي في مؤتمر الحوار الوطني لمحاولات تثبيت اسم الطائفة اليهودية في وثائق مؤتمر الحوار، موضحة أن الأمر وصل الى درجة التهديد ورفع سلاح التكفير في وجه المعارضين لأسلمة النظام السياسي. وهو ما جعل مسودة الدستور الجديد نسخة من الدساتير القديمة في ما يخص كفالة حقوق الاقليات وحرية المعتقد. ومنذ ثورة 26 أيلول (سبتمبر) 1962 التي أطاحت حكم الائمة الهاشميين الذين حكموا شمال اليمن لما يزيد على الف عام ظل اليهود هامشيين بامتياز، لكن علاقتهم بالمسلمين لم تشهد توتراً يرقى إلى مستوى ما حدث اخيراً وتحديداً منذ 2007 عندما شرعت جماعة الحوثيين بتهجير يهود آل سالم من محافظة صعدة موطنهم الأول. وترى الناشطة المدنية سعاد عبدالملك في اعتقال «آخر اليهود الحُمر» وتقصد به الحاخام يحيى يوسف وإذلال ابنته ثمرة «تواطؤ مجتمعي يمارسه المجتمع اليمني ازاء اضطهاد الأقليات» مؤكدة ل «الحياة»: «افتقار ثورات الربيع العربي لثقافة التعايش والحوار ناهيك بالقبول بدولة علمانية او مدنية». وعلاوة على استبعادهم من المشاركة السياسية يحظر على اليهود حمل السلاح بما فيه الخنجر اليمني المعروف باسم الجنبية، على رغم أنهم يعدون أمهر من يصنع الخناجر، وهي مهنة اشتهروا بها منذ القدم، بالإضافة إلى سك المصوغات والحلي الفضية والتجارة لكن معابدهم ومعالمهم الثقافية دمرت أو استخدمت من قبل متشددين إسلاميين وفق ما يفيد زعماء الطائفة. وتوصف حركة «الحوثيين» بأنها النظير اليمني لتنظيم الدولة الاسلامية (داعش) وجل المنتسبين اليهما من الشباب المتطرفين الذين تحولوا الى مواقع سلطة ونفوذ يفرضون منها رؤيتهم الضيقة للأمور. وتسبب الطابع الطائفي للانقلاب المدعوم من ايران بنسف آخر جسور التعايش بين المذاهب والأديان في اليمن.