لا يخفي مراقبون ماليون ألمان أن لجوء المصرف المركزي الأوروبي الشهر الماضي إلى خفض الفائدة على الودائع من 0.05 إلى صفر في المئة، وتلميح رئيسه ماريو دراغي إلى أنه «أطلق آخر خرطوشة باقية في حوزته» لرفع معدل التضخم تدريجاً إلى حدود 2 في المئة إثر هبوط المعدل أخيراً إلى -0.2 في المئة، أثارا على الفور مخاوف خبراء المال والبورصة إلى حد فقدان الثقة بفاعلية خطة دراغي. ويشير هؤلاء إلى أن الأوساط الأوروبية المعارضة منذ البدء لنهج دراغي، وهي أوساط ألمانية خصوصاً، بدأت تعد العدة لمواجهته ودفعه إلى تغيير استراتيجيته التي يعتبرونها خاطئة من الأساس. ودفع هذا الأمر بعدد كبير من المستثمرين في بورصة فرانكفورت إلى بيع أسهمهم فور إعلان الخبر الشهر الماضي بعدما كان مؤشر «داكس للأسهم ارتفع إلى نحو عشرة آلاف نقطة، ما سبّب تدهوره إلى 9400 نقطة في اليوم ذاته، قبل أن يراوح مكانه في الأسابيع الأخيرة ليعود إلى مستوى عشرة آلاف نقطة في 13 الجاري لأسباب تتعلق ببيانات اقتصادية إيجابية داخلية وخارجية. وإضافة إلى إلغاء فائدة 0.05 في المئة، أعلن دراغي أن «المركزي» سيرفع حجم الإنعاش النقدي من 60 إلى 80 بليون يورو شهرياً لشراء سندات الدول المتعثرة وسندات المصارف والشركات المتعثرة أيضاً، ما عزز مخاوف المودعين والمراقبين من إغراق الأسواق بالمال أكثر فأكثر. وأعلن كذلك رفع نسبة الفائدة على الأموال التي تتركها المصارف لدى «المركزي» من 0.3 إلى 0.4 في المئة كعقاب لها على عدم استخدامها. وتُلقي هذه الخطوة، التي دفعت اليورو إلى الانخفاض بمعدل واحد في المئة إزاء الدولار لفترة من الوقت، الضوء على الصعوبات التي يواجهها المصرف المركزي الأوروبي، في ظل تراجع توقعاته بارتفاع التضخم وزيادة المخاوف من نمو الأسعار بمعدلات متدنية جداً. كما خفّض المصرف توقعاته للتضخم والنمو في منطقة اليورو للعامين 2016 و2017، آخذاً في الاعتبار هبوط أسعار النفط. وتوقع دراغي في مؤتمر صحافي حصول تضخم ب0.1 في المئة هذا العام، وأن يرتفع إلى 1.3 بدلاً من 1.6 في المئة عام 2017 كما كان متوقعاً، على أن يحقق معدل التضخم 1.6 في المئة عام 2018. وتأتي هذه المراجعة في إطار سلسلة إجراءات مهمة لدعم الاقتصاد أعلنها «المركزي» الأوروبي لإنعاش النمو في منطقة اليورو وتأمين مزيدٍ من القروض للشركات من المصارف، ما لم يحصل بالقدر المتوقع لدفع النمو الاقتصادي إلى الأعلى في دول منطقة اليورو، وبالتالي إلى رفع معدل التضخم فيها. ونقلت النشرة الاقتصادية الشهرية الصادرة عن «غرفة التجارة والصناعة العربية - الألمانية» عن خبراء، أن المصرف المركزي الأوروبي فشل حتى الآن في تحقيق هدفه الرئيس، بل أن منطقة اليورو تواجه الآن خطر تهاوي الأسعار أكثر فأكثر. ويعتقد هؤلاء أن هبوط أسعار النفط في الأسواق الدولية بحدة ساهم في تراجع الأسعار، وبالتالي في انخفاض معدل التضخم في وقت ترتفع الأجور والمعاشات، على الأقل في ألمانيا التي شهدت أواخر العام الماضي معدل تضخم من 0.2 في المئة هبط إلى الصفر الشهر الماضي. ويعتقد رئيس «المدرسة الأوروبية للإدارة والتقنية»، يورغ روخول، أن قرارات «المركزي» الأوروبي «تبدو يائسة أكثر فأكثر بدلاً من أن تبدو جيدة». وأضاف أن انطباعه هو أن المصرف «يتكابر على نفسه ويلجأ إلى اتخاذ قرارات ثقيلة الوزن بدلاً من أن يعترف بأنه وصل إلى حدود السياسة المالية التي يمكن أن يتخذها». ويقول كبير خبراء «دويتشه بنك»، اولريش شتيفان، إن دراغي دعا في مؤتمره الصحافي «دول منطقة اليورو عن حق إلى ضرورة إجراء إصلاحات بنيوية والاستثمار فيها للمساعدة في الخروج من الأزمة»، مضيفاً أن الأمرين لم ينفذا منذ سنوات، ما زاد في يأس مستثمري القطاع الخاص. وانتقد الأمين العام لغرف التجارة والصناعة الألمانية، مارتين فانسليبن، بشدة نية «البنك المركزي» الأوروبي شراء مزيد من سندات الدول قائلاً: «لعب البنك الآن من دون دَفْع من أحد، ورقته الأخيرة، علماً أن المحاذير أصبحت أكبر بوضوح، خصوصاً أن تأثير شراء سندات الدول على تطور الأسعار في منطقة اليورو غير مضمون النتائج». وتابع «في الوقت ذاته يتراجع الضغط على الدول المتعثرة لتنفيذ إصلاحات ضرورية في بناها، كما يزداد خطر بروز فقاعات في أسواق المال».