أصبحت الإنترنت جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للناس، وتحولت إلى عالم شبه حقيقي يلتقون فيه العائلة والأصدقاء وحتى الغرباء من كل أنحاء العالم، في مواقع اجتماعية وتطبيقات دردشة، بهدف التعارف أو البحث عن أصدقاء ذوي اهتمامات مشتركة أو البحث عن معلومات وأخبار. ولا يمر يوم من دون أن تتسرب من أحدهم فكرة أو معلومة شخصية بتفكير أو بلا وعي، على رغم أن الإنترنت كان في وقت سابق محظوراً عند الجزء الأكبر في السعودية. وكان في أوساط «المحافظين» يحتكره الكبار، وعند الحاجة يتم استخدامه في صالة مفتوحة على جهاز كومبيوتر مشترك أمام جميع أفراد العائلة. ومع ظهوره برز عدد من الفتاوى حول استخدامه، وتحديداً ما يرتبط بحديث الفتيات مع الشبان، والأسماء المستعارة والكثير من الأسئلة التي تندرج بمسمى «فتاوى الإنترنت». لكن المشهد تغير اليوم إذ أصبح الجميع يمتلك أجهزتهم الخاصة المزودة بخدمة تصفح الإنترنت التي لا يعني الجهاز الشيء الكثير من دونها. كما صار لدى الجميع أحدث البرامج والتطبيقات ويحتفظون بها برقم سري... كيف استطاعت الإنترنت أن تغير آيديولوجيا التربية عند غالبية العائلات السعودية؟ وكيف أصبح من الغرابة ألا يمتلك أحدهم إنترنت؟ وكيف أصبح «ويب» دليل الغالبية في الصحة والطبخ والسفر والثقافة بعد أن كان يُنظر إليه كمصدر للانحلال الأخلاقي؟ تصف نورة وهي ربة منزل وأم لأربع بنات وصبي، التحول الذي أحدثه الإنترنت على أفكارها عن التربية، بعد أن كان الرعب يسيطر عليها «مما يخفيه من معلومات هائلة وبيانات ومصادر مجهولة من كل مكان في العالم»، إذ كانت تشعر بأن عالمها الخاص «معرّض للاقتحام من الجميع»، وخصوصاً أنها لم تستفد من تعليم الحاسوب الذي أضيف أخيراً إلى المناهج التربوية من وزارة التربية. هذا القلق من وجود متطفلين جعلها تتمسك بتقليديتها في التربية مع خلفية قديمة عن «خطر الإنترنت». ولم تكن تفكر حتى في أن يمتلك أحد غيرها هي وزوجها جهازاً ذكياً في البيت العائلي، إلا أنها وجدت الجميع من حولها عندما يتحدثون يبرهنون كلامهم في «الطبخ والصحة والسفر والأخبار» اعتماداً على مواقع «إنترنتية»، مع إلحاح من بناتها اللاتي كبرن وأصبحن «واعيات» بكل ما يدور حولهم. وتقول نورة: «لم أعد أملك حجة أمام اجتياح الإنترنت لحياة من هم حولنا، إضافة إلى حاجتي إليه بعد أن أصبح الكل مشغولين به، واعتماد الأصدقاء عليه في التواصل»، مضيفة أنها وجدت نفسها أمام خيار واحد، هو أن تتيح للجميع استخدام أجهزة ذكية موفرة لهم خدمة الإنترنت. وما خفف من قلقها وعي بناتها بالتقنية الحديثة وبرامج الحماية، مؤكدة أنها بعد أن جعلت الإنترنت متوافراً لجميع أفراد أسرتها تعززت العلاقة بينها وبين بناتها، إذ أصبحت الاهتمامات مشتركة. تؤكد نورة «هكذا فجأة تحولت فكرة الإنترنت لدي من معنى الخطر إلى معنى الضرورة». قلق نورة على حياتها الخاصة تحول إذاً إلى شغف لمشاركة الآخرين يومياتها بالتغريد والصور والدردشة مع الصديقات والعائلة. «الإنترنت أصبح أيضاً متجري المفضل، ومصدر معلوماتي وأخباري». لافتة إلى أنها صارت أكثر وعياً حتى بالأخبار، إذ صار في إمكانها التدقيق فيها عبر مراجعة أكثر من موقع، بعد أن «كنت أنساق وراء أي خبر من دون تمييز بينه وبين الشائعة».