تزخر الحياة الأسرية في السعودية بكم من المواقف السلبية التي تؤثر في الحياة اليومية لأفرادها، وإن كانت المشاكل الأسرية تترك أثراً أشد وقعاً على هذا الصعيد، فإن تغلل التكنولوجيا في يوميات العائلات بات يساهم في كشف «المستور»، فيورّط أفراداً بما يفوق قدرتهم على الاستيعاب، ويضعهم في مواقف صعبة أشبه ب «القنبلة الموقوتة» القابلة للانفجار. ويلعب «البث» المباشر عبر الإنترنت بواسطة الأجهزة «الذكية» دوراً كبيراً في العمل على إذكاء الخلافات بين أفراد الأسرة الواحدة، فضلاً عمّا تخلفه من تدخل في الخصوصيات. الارتباط بشبكة الإنترنت عبر البلاك بيري غالباً ما يُحرج مستخدمه، وبخاصة إذا ما حاول «التملص» من موقف ما، مع شيوع تنزيل الصور ونشر التعليقات شبه المباشرة من الأماكن المختلفة؛ وهو ما وقعت في شركه نورة لسبب «تافه». وتوضح: «خرجت ووالدتي وبناتي وشقيقتي الصغرى، من دون أن ندعو بنات شقيقتي الكبرى، وقد علمن بذلك فور أن وضعت إحدى بناتي صوراً للمكان الذي نتواجد به». وتضيف: «اتصلت أختي غاضبة، تتوعد بعدم الكلام معنا مجدداً. وحدثت مشادة كلامية بينها وبين والدتي تبعها قرار بعدم دخول منزلي، وهو ما جعلني أصبّ غضبي على بناتي وتغيّير هواتفهن». قصة نورة تحمل في طياتها انتهاكاً ضمنياً للخصوصية، توافق عليه العنود بوصف معاناتها مع «البلاك بيري»، وتقول: «وضع الأخبار أولاًًًًً بأول يؤثر في خصوصيتنا، إضافة إلى ذلك أصبح البعض يقدم التعازي والتهنئة والدعوات من خلال هذا الجهاز». باتت أخبار الجميع شائعة عبر «البلاك بيري»، فتظهر خطبة شخصين من دفتر الملكة أو كيك الخطوبة تماماً كأعياد الميلاد وغيرها من المناسبات، ويستخدمه كبار السن لمتابعه أخبار أبنائهم المبتعثين. وتقول لولو: «عليّ أن أكون شديدة الحذر، بسبب ما أتعرض له من مشاكل مع أسرتي، إذ ما إن أضع عبارات أو صوراً، يصل إليّ والدي ووالدتي من طريق خالاتي، علماً أن أصدقائي هم فقط من العائلة. وقرّرت إحداهن إزالتي من قائمتها لأنني لم أرد عليها بسرعة بعد محادثتي، فاعتذرت منها بسبب انشغالي مع أسرتي فقررت حذفي». وتقول أم محمد: «باب يجيلك منو ريح سده واستريح، ما إن بدأ التوتر مع شقيقاتي قررت عدم استخدام جهاز البلاك بيري ومنعته عن أفراد أسرتي لي نبتعد عن المشاكل». ومن جهة أخرى تأسف أم سعود لارتباط أبنائها على مدار الساعة ب «البلاك بيري»، وتحوّل الجلسات إلى صامتة، بعد أن «انعزل» كل عن الأخر، وبات الحديث من خلال هذا الجهاز الذي أصبح جزءاً من العائلة. وتعتبر الاختصاصية الاجتماعية أسماء العبود، التقنية «سلاحاً ذا حدين، وبخاصة في ما يختص بدورها في نقل الخبر وتحريك المجتمعات وبخاصة ما حدث من رصد للانتهاكات في العديد من دول ثورات الربيع العربي، حيث اعتبرت المحرك الأول في متابعة ورصد الأخبار وسرعة انتقالها». وتضيف: «من جانب آخر لا يخفى أن لهذه التقنية الجديدة جوانب أخرى سلبية إلى حد كبير نظراً لاستخدامها بصورة سيئة، مع أنه لا يمكن أن يكون الأمر حكماً نصدره من دون ذكر مساوئ الاستخدام السيء للتقنية». وتوضح: «انتشر البلاك بيري مثلاً بكثرة مع الصغار والكبار، وأصبح الجميع يعيش حياته وعيناه ويداه معلقة بهذا الجهاز، فبدأت العلاقات الحميمية تتأثر داخل الأسرة الواحدة، واختفى الحوار الأسري، وقضاء وقت جماعي مع الآخرين، حتى اللقاءات الاجتماعية والمناسبات أصبحت تخلو من التفاعل الإنساني والشعور بالآخرين إذ أصبح البلاك بيري سيد الموقف، فالجميع مطأطأ الرأس ليقرأ ويكتب. ويأتي ضمن مجموعة أخرى من التقنيات في أجهزة أخرى، ولا يمكن اعتبار التقنية هي السبب فيها، ولكن «الاستخدام السيء لها». وتستدرك العبود: «هذه السلبيات تنطبق صورتها على نمط الحياة الاستهلاكية التي اعتادها المجتمع والتي تحولت العلاقات فيها إلى نوع من التباهي والتفاخر بما نملك وليس بما ننتج». وتحذر: «لا يمكن أن نغفل سلبية امتلاك الأطفال هذه الأجهزة التي تجعلهم يتلقون الكثير عليها ومن جهات غير معروفة كالصور والكلام البذيء ومقاطع الفيديو والتي تؤثر سلباً في أفكارهم وتخدش براءة طفولتهم، وتجعلهم كائنات قابلة للسمنة وقلة الحركة وبالتالي يصبحون أكثر عرضة للأمراض».