في كل سنة ومع الإعلان عن القائمتين الطويلة ثم القصيرة لجائزة «أورانج» للرواية بقلم النساء، يطرح السؤال نفسه: هل هناك من ضرورة لجائزة تخصص للمرأة الكاتبة وقد أنصفتها الجوائز الأخرى والمراجعات النقدية في الصحف بحسب اعتقاد بعضهم؟ وفي كل سنة تثير لجان التحكيم نقاشات أخرى حول كتابات المرأة والجائزة التي تشكل ضلعاً في مثلث الجوائز الأهم في مجال الكتابة الروائية في بريطانيا (بوكر مان، كوستا، وأورانج). كيف نجحت هذه الجائزة مع أن الكتب المرشحة لها، تكتبها نساء وتحكمّها نساء فقط؟ وهذا العام لم يخل من جدل وقد تأتي المفاجآت بجدل جديد عندما يعلن قريباً اسم الفائزة. انطلقت جائزة «أورانج» عام 1996 بناء على اقتراح دعمته مجموعة من الكتاب والصحافيين والناشرين ووكلاء النشر في بريطانيا، من منطلق أن الروائيات يتم تجاهلهن أحياناً على مستوى الجوائز الكبرى، بسبب الهيمنة الذكورية على عالم النشر والثقافة. من غير أن ننسى أن المردود التجاري مدروس عند تأسيس الجوائز في المجتمعات المتقدمة في عالم النشر. فالأسماء التي تعلن في القوائم الطويلة والقصيرة ثم اسم الفائز في الجائزة، كل ذلك يحرك سوق النشر عندما يثير فضول القراء للاطلاع على الكتاب المميز. رعت الجائزة منذ نشأتها شركة «أورانج برودباند» المتخصصة بخدمة الاتصالات، ومنحتها اسمها الذي باتت تعرف به منذ خمس عشرة سنة. خصصت الجائزة لروايات تكتبها نساء باللغة الإنكليزية، بغض النظر عن جنسياتهن. ولا بد من الإشارة الى أن «أورانج» ليست جائزة للروايات التي تركز على القضايا النسائية فقط، بل تسعى الى تقديم أعمال أدبية لكاتبات قد لا يلتفت اليهن في عالم الجوائز، على رغم ما تضيفه أعمالهن الى المشهد الروائي عموماً. وللتأكيد على رفض لجان التحكيم التقيد بموضوعات «النسوية»، عبرت رئيسة لجنة العام 2007 ، ميريل غراي وهي روائية ومقدمة برامج تلفزيونية، عن استيائها من عدم قدرة كثير من الكاتبات على التخلص من مشكلات جنسهن في الكتابة، مثل المسؤوليات المترتبة على كونهن زوجات وأمهات. أما هذا العام، فصرحت رئيسة لجنة التحكيم ديزي غودوين وهي منتجة تلفزيونية ومؤلفة، أن غالبية الكتب المرشحة «كئيبة وتفتقر للطرافة». وتساءلت عن سبب هجر الروائيات للبهجة، «وكأنهن يثبتن فشلاً جماعياً في هذا المجال». ولخصت مضمون 129 رواية تقدمت للترشيح بقولها: «هناك الكثير من الأعمال عن الأخوات الآسيويات، أو تلك التي تستهل بمشهد اغتصاب»!. لم يمر تعليق ديزي غودوين بسلامة، إعلامياً، بل أثار استياء بعض الكتّاب الذين اعتبروه عنصرياً بإشارتها الى قضايا أعراق أخرى، ومضاداً لقضايا المرأة التي تلازمها وتقيدها، في الوقت الذي تدور الجائزة كلها حول الاحتفاء بالكتابة النسائية. إلا أن بعض الزملاء الرجال لم يتركوا الزميلة تواجه النقد بمفردها، فكتب وليم سكيدلسكي محرر الكتب في صحيفة «ذي اوبزيرفر»، مقالاً يدافع فيه عن تصريحاتها ويقول أنه أسيء فهمها، فهي لا تقصد استبعاد الهموم الخاصة بالنساء أو بالعالم من الكتابة النسائية، بل قصدت القول ألا تكون كتابتهن مركزة حول هذا الجانب فقط. «الحياة مكونة من الضوء والظل، الفرح والألم، معاً» يقول سكيدلسكي، مذكراً بكاتبتين بريطانيتين عريقتين برعتا في المزج بين العوالم المتناقضة، هما جين اوستن وجورج إليوت. إضافة الى كاتبات معاصرات مثل زادي سمث، سارة ووترز، زوي هيللر وأخريات. ويلتقط الكاتب في مقاله نقطة مهمة في هذا السياق تبرر الظاهرة، وهي أن الكاتبات «ربما يشعرن بأنهن لن يؤخذن بجدية كافية ان هن كتبن بنبرة ساخرة». التعليق السلبي لرئيسة لجنة التحكيم، لم يطل في الأساس الروايات العشرين التي تم اختيارها للقائمة الطويلة وأعلن عنها منتصف آذار (مارس) الماضي، بل على العكس، اعتبرت غودوين ومعها بقية أعضاء اللجنة، أنهن «فخورات بالقائمة القوية والمتنوعة والممتعة». ومضت في تأكيدها بقولها أن الروايات التي رشحت للقائمة الطويلة «محايدة جندرياً». جاء التباهي بعشرين رواية نسائية على رغم احتواء القائمة على سبع روايات أولى لكاتباتها، بينها رواية «نباهة عظيمة منك» لمنتجة الأفلام روزي أليسون، ورواية «إبن سرّي» للكاتبة المغربية الأصل الأميركية الجنسية ليلى العلمي، ورواية «ماء أسود يرتفع» للأميركية من أصول أفريقية أتيكا لوكر، التي تقدم نوعاً من الروايات يندر أن يرى في القوائم الطويلة للجوائز الأدبية بعامة، ونقصد هنا رواية «التشويق البوليسي». القائمة القصيرة التي أعلنت في العشرين من نيسان (ابريل) الماضي وتضمنت ست روايات، تجاورت فيها الأسماء العريقة مع تلك الشابة، فنرى رواية «قاعة الذئب» الفائزة بالبوكر للكاتبة البريطانية هيلاري مانتل، التي يراهن عليها «المراهنون» بالفوز، لكونها كانت الأسرع مبيعاً بين الروايات الفائزة في تاريخ جائزة البوكر. لكن المهتمين بالشأن الأدبي يستبعدون فوز «قاعة الذئب» من منطلق أن التقاليد جرت أن لا تنصاع لجان تحكيم الجوائز الأدبية البريطانية لاختيارات لجان جوائز أخرى، إذ تفضل كل لجنة ان تقدم فائزها الخاص بها هي، «إسم طازج»، بحسب التعبير الإنكليزي. نظرياً، لا شيء يمنع من فوز الرواية بجائزتين، حدث ذلك مرة واحدة فقط، عندما فازت أندريا ليفي البريطانية من أصل جامايكي عام 2004 ، عن روايتها «جزيرة صغيرة» بجائزتي أورانج وكوستا (ويتبريد سابقاً). إضافة الى هيلاري منتل، نرى في القائمة القصيرة كاتبتين تنشران للمرة الأولى، هما روزي أليسون التي أشرنا اليها سابقاً بروايتها «نباهة عظيمة منك»، والتي تعد روايتها مثالاً واضحاً لما يمكن ان تكتشفه لجان التحكيم من نصوص لافتة لم ينتبه اليها أحد، إذ لم ينشر عن الرواية أية مراجعة نقدية في الصحف قبل أن تظهر في القائمة الطويلة. وهنا ننوه بأن أليسون هي زوجة تيم ووترستون، مؤسس سلسلة محلات بيع الكتب الشهيرة «ووترستون»، لكنها لم تدل أبداً إلى ما يشير لعلاقتها به، لا أثناء بحثها عن ناشر ولا بعد صدور الرواية، من منطلق أنها تريد اهتماماً يستحقه النص من داخله ولا يستند إلى أي عامل خارجي. الرواية الأولى الأخرى في القائمة القصيرة، هي «ماء أسود يرتفع» وقد ورد ذكرها في المقال أيضاً، وتشكل كاتبتها أتيكا لوكر، واحدة من الكاتبات الأميركيات الثلاث في القائمة القصيرة. الأميركية الثانية هي الكاتبة المخضرمة لوري مور بروايتها «بوابة عند السلم» وتدور أحداثها في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر، وهي الثالثة لها بعد انقطاعها سنوات عن كتابة الرواية وانشغالها بالقصة القصيرة. وتظهر الأميركية الثالثة باربرة كينغسولفر عن روايتها «الثغرة»، الأولى لها منذ تسع سنوات. أحداث الرواية تقع في منتصف القرن الماضي بين الولاياتالمتحدة والمكسيك، عبر عيني طفل يكبر خلال الرواية ويعيش مع أمه التي تقع في هوى الأثرياء، ويقع هو في هوى الناس والأمكنة راصداً عوالم متناقضة بين البلدين. وتختتم القائمة برواية «المرأة البيضاء على الدراجة الخضراء» للبريطانية من تريننداد مونيك روفي، وتحكي عن زوجين انكليزيين انتقلا الى تريننداد ووقعا في غرام المكان الجديد. لا تتعلق الضجة التي تثار حول «أورانج» بكونها مخصصة للكاتبات فقط، بل بكون لجان تحكيمها كاملة من الجنس اللطيف مع عدم إشراك أي رجل فيها. إلا أن المؤيدين لأسلوبها الحالي، يعتقدون أن ما دامت النساء يشكلن سبعين في المئة من قراء الرواية على أنواعها، بحسب الإحصاءات الرسمية، فمن حقهن إذاً أن يسهمن في تحديد ذائقة القراءة لدى غالبية جمهور القراء. لكن المنصفين منهم يعتقدون، ان لا بأس من أن يمنح الرجل تمثيلاً يماثل نسبة الثلاثين بالمئة، لتحقيق مزيد من العدالة. لجنة تحكيم هذا العام تكونت بالإضافة الى ديزي غودوين رئيستها، من ألكسندرا شولمان رئيسة تحرير النسخة الإنكليزية من مجلة «فوغ»، ميشيل روبرتس ناقدة وروائية، البارونة جوليا نيوبيرغر إعلامية وحاخامة، ثم ميراندا سوير صحافية ومقدمة برامج تلفزيونية. وتجدر الإشارة الى أن الإعلان عن الفائزة بالجائزة التي تبلغ قيمتها ثلاثين ألف جنيه استرليني، سيكون في التاسع من حزيران (يونيو). لكن الفعاليات الثقافية تمتد منذ الإعلان عن القائمة الطويلة حتى يوم الحفل الكبير، وتشارك فيه الكاتبات المرشحات، بالقراءات واللقاءات المفتوحة مع الجمهور.