اختلف المشهد الانتخابي البلدي في لبنان الشمالي أمس بين منطقة وأخرى، وتبدلت فيه التحالفات من خلال ائتلاف الأضداد في مدينتي طرابلس والميناء الذي لم يرفع من نسبة الاقتراع، بخاصة في عاصمة الشمال، لعدم وجود خصم سياسي ينافس اللائحة التوافقية فاقتصرت فيها المعركة على منافسة لائحة غير مكتملة ليس من بين أعضائها من هو معروف بلدياً على رغم انها مدعومة من النائب السابق رئيس حزب الطليعة عبدالمجيد الرافعي والمتضررين من ائتلاف نواب طرابلس ورئيس الحكومة السابق عمر كرامي والتيارات والمجموعات الإسلامية. لذلك بدت فيها المعركة باردة ولم تسجل اقبالاً على صناديق الاقتراع الذي بقيت نسبته حتى الرابعة بعد ظهر أمس في حدود العشرين في المئة. وانسحبت البرودة في الإقبال على صناديق الاقتراع في عاصمة الشمال على الميناء على رغم ان المعركة فيها متوازنة بين اللائحة المدعومة من ائتلاف النواب والرئيس كرامي والأخرى التي يتزعمها الرئيس الحالي للبلدية منذ أكثر من 35 سنة عبدالقادر علم الدين، لكن مع فارق ملحوظ مرده الى ان المعركة شهدت سخونة وإنما من «تحت الطاولة» في ضوء ما تردد في طرابلس من أن بعض النواب دخلوا في مضاربة بلدية مصدرها عدم الانسجام بين الرئيس نجيب ميقاتي وحليفه وزير الاقتصاد محمد الصفدي الذي اضطر في الساعات الأولى لبدء الاقتراع الى نقل ماكينته الانتخابية من طرابلس الى الميناء لتعزيز ماكينته فيها لحماية رئيس اللائحة الائتلافية السفير محمد عيسى المقرب منه ولقطع الطريق على تمكن علم الدين من تسجيل خرق كبير للائحته الائتلافية. واستدعى الاختلاف بين بعض نواب طرابلس تدخلاً من رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري لدى ميقاتي والصفدي وآخرين لحضهم على ضرورة الانسجام خصوصاً أن فيصل عمر كرامي لم يتوقف طوال اليوم الانتخابي من الشكوى من الحرب الضروس الدائرة بين حلفاء تيار «المستقبل» وتأثيرها على العملية الانتخابية لا سيما ان الدعوات للإقبال على صناديق الاقتراع لم تلق التجاوب المطلوب من قبل الناخبين الذين كانوا على موعد لقضاء عطلتهم الأسبوعية على شاطئ البحر. وما زاد في نسبة البرودة في الإقبال على صناديق الاقتراع اصرار الأرمن في الميناء على مقاطعة الانتخابات احتجاجاً على عدم تمثيلهم في اللائحتين المتنافستين في مقابل موقف مماثل للعلويين بدعوة من «الحزب العربي الديموقراطي» بزعامة علي عيد اعتراضاً على حجم تمثيلهم في المجلس البلدي لطرابلس، ولم يسجل سوى حضور «رمزي» للعلويين أمام صناديق الاقتراع الموضوعة خارج منطقة جبل محسن فيما اكتفوا في الاقتراع للمجالس الاختيارية الخاصة بهم. لكن البرودة في طرابلس والسخونة غير الظاهرة في الميناء، سرعان ما تتحول الى مبارزة انتخابية من «العيار الثقيل» في بلدة البترون بين اللائحة المدعومة من «التيار الوطني الحر» ممثلاً بوزير الطاقة جبران باسيل والأخرى المؤيدة من القوى المسيحية في 14 آذار بالتحالف مع عائلتي عقل وضو... ولم يكف باسيل عن اضفاء الطابع السياسي على المعركة في البترون بخلاف رئيس اللائحة المدعومة منه مارسيلينيو الحرك، الذي أصر على حصرها في اطارها الإنمائي نظراً الى علاقته ببعض أركان قوى 14 آذار الذين تخلوا عنه لمصلحة منافسه النائب السابق سايد عقل الذي بدا مصمماً على أن تكون المنافسة متقاربة فيما الترجيحات تصب لمصلحة الحرك. وتمددت المبارزة في البترون باتجاه معظم البلدات المسيحية ذات الأكثرية المارونية باستثناء كبرى بلدات القضاء، تنورين التي فضل «التيار الوطني» أن يكون خارج السباق البلدي فيها لمصلحة اللائحة المدعومة من النائب والوزير بطرس حرب وحلفائه في 14 آذار. وكذلك الحال في بلدات قضاء الكورة التي امتزجت فيها المنافسة بين العائلي والحزبي أسوة بمثيلاتها في الانتخابات النيابية الأخيرة... أما في بشري فالغلبة ستكون ل «القوات اللبنانية» باعتبارها القوة الراجحة من دون أي منافس، مع ان بلدة بزعون مسقط رأس الضحيتين من آل صالح اللذين سقطا في الإشكال الأمني الذي وقع أخيراً في ضهر العين في الكورة، لم تكن حاضرة في المنافسة بعد ان توافق المرشحون للمجلس البلدي والاختياري على الانسحاب ووقعوا تعهداً في حضور عدد من كتّاب العدل ما أدى الى تأجيل الانتخابات فيها تحسباً لاحتمال توتر الأجواء في البلدة. وبالنسبة الى الانتخابات في قضاءي المنية والضنية فإن السمة التي غلبت عليها، تمثلت في المنافسة بين العائلات بمن فيها المنتمين الى تيار «المستقبل» الذي أبقى نفسه في معظم قراهما خارج السباق البلدي رغبة منه في تفادي الإحراج تحت عنوان «ان قاضي العائلات شنق حاله» لصعوبة التوفيق بينها... مع الإشارة الى ان السفَيرة شهدت منافسة بين «المستقبل» وحليفه في طرابلس «الجماعة الإسلامية» التي شكلت لائحة لإصرار المسؤول فيها النائب السابق أسعد هرموش على خوض المعركة. وتمددت المنافسة باتجاه بلدة سير التي شهدت معركة سياسية عائلية بامتياز. وبالانتقال الى محافظة عكار فإن الخريطة البلدية في قراها ومدنها تبدلت مع تبدل الأمكنة، وتراوحت المعارك فيها بين هبات باردة وأخرى ساخنة، وبقيت معظم البلدات الأرثوذكسية خارج المنافسة وخيمت عليها حال من الاسترخاء البلدي لغياب المنافسة عن معظمها بسبب الدور الذي لعبه نائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس في دفعه أهاليها الى التوافق الذي أتاح الفرصة للعدد الأكبر من مجالسها البلدية بالفوز بالتزكية باستثناء منازلات بلدية غلب عليها الطابع العائلي متداخلاً هذه المرة مع اعادة خلط الأوراق السياسية وهذا ما حصل في بلدة الشيخ محمد من خلال الصراع بين لائحة غير مكتملة مدعومة من الحزب الشيوعي اللبناني وأخرى مكتملة شكّلها «التيار الوطني». لكن الاسترخاء الأرثوذكسي قوبل بحماوة في حلبا عاصمة محافظة عكار التي جرت فيها معركة كسر عظم بين رئيس بلديتها الحالي سعيد الحلبي المدعوم من النائب السابق مخايل الضاهر وقوى المعارضة سابقاً ومنافسه عبدالحميد الحلبي المدعوم من «المستقبل». إلا أن حلبا تتمتع بثقل سني يصل الى حدود السبعين في المئة من ناخبيها وآخر مسيحي بنسبة الثلاثين في المئة ويبقى الصوت المسيحي هو المرجح الى جانب المجنسين وإن كانت التقديرات ترجح فوز لائحة سعيد الحلبي. ويتبدل المشهد الانتخابي في ببنين كبرى البلدات السنية في عكار ودارت المعركة فيها بين أهل البيت الواحد المنتمين الى «المستقبل» الذي فضل الوقوف على الحياد تاركاً لصناديق الاقتراع ان تقرر من هي اللائحة التي ستفوز من بين اللوائح الثلاثة التي تشكلت علماً أن «الجماعة الإسلامية» تتمتع بوجود لا يسمح لها بتقرير مصير المعركة قياساً الى النفوذ القوي ل «المستقبل». وربما تمدد خلط الأوراق بين أهل البيت الواحد الى فنيدق مسقط النائب السابق وجيه البعريني والحالي خالد زهرمان إذ عمد الأول الى دعم عبدالله زكريا ضد منافسه الرئيس الحالي للبلدية سميح عبدالحي ليضفي على المعركة طابعها السياسي الثأري ليرد الاعتبار لنفسه بعد رسوبه في الانتخابات النيابية. وتبقى أعنف المبارزات البلدية في القبيات عاصمة الموارنة في عكار وخيضت المعركة فيها بين لائحتين الأولى مدعومة من النائب هادي حبيش و «القوات» والثانية من «التيار الوطني» والنائب السابق مخايل الضاهر والمرشح للانتخابات النيابية جوزف مخايل، ويحاول كل من الطرفين تأكيد مرجعيته في البلدة بصرف النظر عن الصراع على النيابة خصوصاً ان المنافسة على «المنخار» تحسمها أصوات قدامى القوات المسلحة في الجيش اللبناني الذين كانوا الأنشط اقتراعاً وترشحاً في عكار إذ من النادر أن تجد لائحة ليس من بينها متقاعد في الجيش.