نجحت القوات النظامية السورية أمس في التقدم داخل أحياء مدينة تدمر في ريف حمص الشرقي، وسط أنباء عن «انهيار» دفاعات تنظيم «داعش» وسحبه مجموعات من عناصره شرقاً في اتجاه بلدة السخنة ودير الزور. وتشكّل استعادة تدمر، إذا ما تمت، نصراً معنوياً للنظام وحلفائه الروس الذين مهّدوا لتقدم الجيش الحكومي بمئات الغارات الجوية، بالإضافة إلى مشاركة قوات خاصة روسية في تنظيم الهجوم. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن «الهجوم العنيف» الذي بدأته قوات النظام ظهر أمس كان ما زال مستمراً بعد الظهر حيث «تدور معارك عنيفة بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وعربية وآسيوية مدعمة بمستشارين روس من طرف، وتنظيم (داعش) من طرف آخر في شمال وشمال غربي وجنوب وجنوب غربي تدمر». وأضاف أن «قوات النظام تمكنت حتى الآن من التقدم والسيطرة على نحو ثلث مساحة المدينة، وسط انسحاب عناصر التنظيم نحو منطقة السخنة وشرق مدينة تدمر». وفي تقرير آخر، أشار المرصد إلى أن «المعارك بين الجانبين تمتد من حي الصناعة مروراً بحيي الجمعيات الغربية والمتقاعدين وصولاً إلى شارع الجمهورية ومحيط فرع البادية في مدينة تدمر، حيث تمكنت قوات النظام -للمرة الأولى منذ أيار (مايو) 2015- من السيطرة على حيي المتقاعدين والجمعيات الغربية وأطراف شارع الجمهورية في جنوبالمدينة وأجزاء من حي الصناعة في شمال المدينة ومحيط فرع البادية بمدينة تدمر، وسط قصف مكثف لقوات النظام واستمرار الطائرات الحربية والمروحية السورية والروسية باستهداف مواقع للتنظيم في المدينة». كما أكد المرصد أن «قوات النظام تمكنت مدعمة بمستشارين روس ولواء الفاطميين ومسلحين من جنسيات سورية وعربية موالين لها، من السيطرة على ضاحية العامرية في شمال غربي مدينة تدمر». ووصف المرصد وضع «داعش» في تدمر حالياً بأنه يعاني حال «انهيار»، في إشارة إلى بدء انسحاب مجموعات من عناصره نتيجة العجز عن وقف هجوم النظام وحلفائه. أما موقع «الدرر الشامية» المعارض، فنقل من جهته عن ناشطيه في تدمر، أن «داعش» سحب «كل قواته العسكرية من أحياء المتقاعدين والجمعية الغربية شمال غرب مدينة تدمر»، مضيفاً أن «التنظيم انسحب من تلك الأحياء بالإضافة لانسحابه من مشفى المدينة بعد عشرات الغارات الجوية التي تعرضت لها تلك الأحياء، فيما يسمع صوت اشتباك خفيف داخل تلك الأحياء يُرجّح أنها عمليات تمشيط لقوات الأسد». وقال الناشطون للموقع «إن التنظيم فشل في تفجير ثلاث عربات مفخخة بينها اثنتان في حي المتقاعدين وواحدة رُكنت بالقرب من مشفى المدينة بعد استهداف ميليشيات حزب الله إياها بقذائف الآر بي جي». في المقابل، أوردت وكالة الأنباء السورية «سانا» أن «وحدات من الجيش بالتعاون مع مجموعات الدفاع الشعبية فرضت ظهر اليوم (أمس) سيطرتها المطلقة على أحياء المتقاعدين والعامرية والجمعيات الغربية بمدينة تدمر»، لافتة إلى أن اشتباكات عنيفة دارت صباحاً «داخل حي العامرية الذي يعد البوابة الشمالية للأحياء السكنية في تدمر، وهو آخر الخطوط الدفاعية لتنظيم داعش الإرهابي، الذي عمد إلى زراعة عشرات العبوات الناسفة والألغام داخله في محاولة لوقف تقدم الجيش ومجموعات الدفاع الشعبي». كذلك أشارت «سانا» إلى أن «وحدات من الجيش بالتعاون مع مجموعة صقور الصحراء نفّذت فجراً عمليات مكثفة في اتجاه البساتين الجنوبية أحرزت خلالها تقدماً كبيراً باتجاه المدينة»، في وقت تخوض القوات الحكومية «اشتباكات عنيفة في محيط مطار تدمر بالجهة الشرقية للمدينة». وأوردت «رويترز» أن لقطات تلفزيونية من منحدرات محيطة بقلعة من القرون الوسطى (قلعة فخر الدين المعني) سيطر الجيش السوري عليها الجمعة وتطل على المدينة، أظهرت دبابات وعربات مدرعة تطلق نيرانها نحو تدمر. وتظهر اللقطات موجة من الانفجارات أصابت مباني ودخاناً يتصاعد من مواقع كثيرة. وفي وقت سابق قال المرصد السوري إن مسلحي «داعش» شنوا هجمات مضادة على الجنود الذين يتقدمون في المدينة شملت تفجير سيارات ملغومة. واستعادة تدمر التي سيطر عليها «داعش» في أيار الماضي ستكون أكبر تراجع للتنظيم في سورية منذ التدخل الروسي الذي حول دفة الصراع لصالح الرئيس بشار الأسد. ولا يشمل اتفاق وقف الأعمال القتالية تنظيم «داعش» ولا «جبهة النصرة» جناح تنظيم القاعدة في سورية. وأدى الاتفاق الساري منذ شهر إلى هدوء القتال بين الحكومة ومسلحي المعارضة الذين يقاتلون الأسد في غرب سورية. وقللت روسيا من وجودها العسكري في سورية لكنها دعمت بقوة الهجوم على تدمر ونفذت عشرات الضربات الجوية الأسبوع الماضي واعترفت بأن ضابطاً من القوات الخاصة الروسية قتل في المعارك قرب المدينة. ووفقاً لتعداد سكاني أُجري في المدينة قبل أكثر من عشر سنوات يبلغ عدد سكان تدمر 50 ألفاً. وزاد هذا العدد بشكل كبير جراء تدفق النازحين الذين شردهم الصراع السوري الذي اندلع عام 2011 وإن كان معظمهم فر عندما سيطر تنظيم «داعش» على المدينة. ومن شأن استعادة الجيش السوري المدينة، أن تفتح شرق سورية أمام الجيش حيث يسيطر تنظيم «داعش» على معظم أنحاء محافظتي دير الزور والرقة. وقال جندي للتلفزيون السوري من عند القلعة المطلة على آثار في المدينة: «تواصل قواتنا الباسلة التقدم من أجل تحرير كل شبر من أرض الوطن الطاهر». وكان عناصر «داعش» فجروا في آب (أغسطس) معبدي بل وبعل شمين الأثريين ووصفت الأممالمتحدة تدميرهما بأنه جريمة حرب. وأظهرت تغطية تلفزيونية بثت خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية من على أطراف تدمر، بعض الهياكل والأعمدة الشهيرة التي ما زالت قائمة، وإن كان يستحيل تقييم حجم الضرر. وقال مسؤولون سوريون العام الماضي إنهم نقلوا المئات من التماثيل الأثرية إلى أماكن آمنة قبل أن يسيطر تنظيم «داعش» على المدينة.