اقترح البيت الأبيض على الكونغرس الأميركي إلغاء سقف الأضرار الاقتصادية في كوارث التسرب النفطي من الآبار البحرية. وجاء الاقتراح المفاجئ بعدما حذرت صناعة النفط الأميركية من أن مبادرات تشريعية تسعى إلى رفع الحد الأقصى للتعويضات من 75 مليون دولار إلى 10 بلايين، تهدد بتقويض الجدوى الاقتصادية لعمليات الإنتاج والتنقيب في خليج المكسيك، الذي تقدر ثروته النفطية بنحو 40 بليون برميل. وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما حض المشرعين من أعضاء حزبه الديموقراطي والجمهوريين ايضاً، في رسالة وجهها إلى مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي، على «التعالي عن المصالح الحزبية تمهيداً لإصدار قانون يقضي بتحميل شركات النفط الأعباء المالية الكاملة لكوارث تسرب النفط والتلوث البيئي والأضرار الاقتصادية الناجمة عنها»، وإن امتنع عن تحديد سقف جديد للتعويضات الاقتصادية. لكن مسؤولين كباراً في إدارته أكدوا للجنة الطاقة والمصادر الطبيعية في مجلس الشيوخ مساء الثلثاء في شهادات أدهشت رئيس اللجنة جيف بينجامان والعديد من أعضائها، أن موقف البيت الأبيض من المسؤوليات القانونية والمالية المتعلقة بالإنتاج البحري يتمثل في اقتراح إلغاء الحد الأقصى للتعويضات المتوجب على شركات النفط دفعها إلى المتضررين اقتصادياً من كوارث التلوث النفطي. ويبدو أن أوباما الذي وقف بحزم إزاء أزمة التلوث النفطي المستمرة في مياه خليج المكسيك منذ 20 نيسان (أبريل) الماضي من دون أن يتخلى عن خيار إنتاج النفط من أهم مصادره المحلية الواعدة - المياه الإقليمية - أراد القبض على العصا من الوسط لكنه اختار فعلياً ما اختارته «بريتش بتروليوم» لها حين أكدت على لسان رئيسها التنفيذي توني هاوارد ورئيس عملياتها الأميركية لامار ماكي أنها غير معنية بسقف التعويضات الاقتصادية. وحدّد السقف الحالي عندما أصدر الكونغرس في 1990 قانوناً لخص فيه الدروس المستقاة من الكارثة البيئية الشهيرة لناقلة النفط العملاقة «اكسون - يلدز» في آلاسكا في السنة السابقة. وبمقتضى القانون تتكفل شركات النفط بالأعباء المالية الكاملة لعمليات التنظيف إلى التعويضات الاقتصادية التي يسقط عنها مع ذلك حدها الأقصى في حال ثبوت أي من حالات الإهمال المغلظ وسوء التصرف المتعمد ومخالفة القواعد الفيديرالية. وبلغت محصلة الأعباء المالية الإجمالية لكارثة الناقلة المملوكة من شركة «إكسون» للنقل البحري التي أدى اصطدامها بجبل جليدي عائم إلى تسرب 11 مليون غالون (262 ألف برميل) من النفط في المياه اللازوردية لمضيق «برنس» وضفافه، 2.9 بليون دولار وشملت أضراراً عقابية مخففة بنحو 500 مليون دولار فرضتها المحكمة العليا لثبوت ارتكاب حالة من الإهمال المغلظ غير المصحوب بسوء النية. وأعلنت بريتش بتروليوم أن الكلفة الإجمالية لكارثة خليج المكسيك بلغت حتى الاثنين الماضي 760 مليون دولار شاملة نحو 115 مليوناً في شكل منح للترويج السياحي في الولايات المتضررة (فلوريدا ولويزيانا وميسيسيبي وآلاباما) وتعويضات اقتصادية مشيرة إلى أن الشركة تلقت 23 ألف عريضة من الشركات الصغيرة المتنوعة والمطاعم والصيادين المطالبين بالتعويض وفصلت في تسعة آلاف منها. ونفى ماكي أمام لجان الكونغرس امتلاك بريتش بتروليوم أية تقديرات عن الكلفة النهائية لكارثة خليج المكسيك لكن صناعة النفط والغاز الأميركية ممثلة ب «معهد النفط الأميركي» حذرت من أن رفع الحد الأقصى للتعويضات الاقتصادية إلى 10 بلايين دولار يهدد بتقويض الجدوى الاقتصادية لكل عمليات الإنتاج والتنقيب في المياه العميقة لخليج المكسيك. ونبه رئيس المعهد جاك جيرارد من أن المقترحات التشريعية قد «تقوض أمن الاقتصاد والطاقة» في الولاياتالمتحدة إذ تجعل من المتعذر على شركات النفط والغاز المتوسطة والصغيرة الحصول على التأمين اللازم لعملياتها في خليج المكسيك الذي يؤمن ثلث (1.6 مليون برميل يومياً) الإنتاج المحلي. وبدأت بريتش بتروليوم أمس أسبوعاً حاسماً في صراعها المتعثر للسيطرة على التسرب النفطي من بئر «ماكوندو» الذي ألحق بأسهمها وقيمتها السوقية خسائر تقدر بنحو 30 بليون دولار فضلاً عن سمعتها، إلا أنها تعتبر أكبر اللاعبين العمالقة في المياه العميقة لخليج المكسيك حيث تنتج 400 ألف برميل يومياً وتؤكد أن الثروة النفطية والغازية للمنطقة تقدر بنحو 40 بليون برميل اكتشف منها ربعها فقط.