ما يحصل في الغرف المغلقة بين الروس والأميركيين ستكون له ارتدادات جوهرية على تماسك بعض فصائل المعارضة السورية، وعلى بعض التشكيلات الكبيرة ك «جيش الفتح» في شمال البلاد. فالهدنة الهشة التي توافقت عليها موسكو وواشنطن، واستثنت «جبهة النصرة»، وبعض الجماعات الإرهابية من دون أن تحددها، هي بمثابة عامل تفجير كبير، قد يؤدي إلى تصادم هذه الفصائل في ما بينها، وتفكك بعض التحالفات القائمة. ووفق المعلومات فإن خلافات كبيرة برزت داخل حركة «أحرار الشام». فريق يقدم المصلحة، ويرى أن من الأفضل الانخراط في العملية السياسية، لأن التمرد عليها، سيعطي القوى الدولية ذريعة للانفراد بها واستهدافها، ومنعها من تحقيق أي مكتسبات، وخصوصاً في ظل عدم تكافؤ القوى بسبب التدخل الروسي؛ كما سيمنح في الوقت نفسه النظام السوري فرصة ليقدم نفسه بأنه يسعى إلى الحل السياسي للأزمة، وأن المشكلة في الطرف الآخر. أما الجناح الآخر، وعلى رأسهم القائد العسكري العام أبو صالح طحان، والمسؤول الشرعي العام أبو محمد الصادق وبعض أعضاء مجلس الشورى، فإنهم يعتقدون بأن مواصلة القتال واجب ديني حتى قيام «الدولة الإسلامية»، وأن التخلي عن إخوانهم في «النصرة»، هو إثم شرعي كبير، وتخلٍ عن مبادئ الإسلام. لهذا وعلى رغم من قرار الحركة الرسمي الموافقة على الهدنة، أصدر أبو صالح طحان بياناً يقول فيه: «لأن تزهق أنفسنا جميعاً خير لنا من أن نُسلِم أخاً نصرنا حين عز النصير»، والمقصود بالطبع هنا جبهة النصرة. وكانت هذه التباينات قد بدأت تظهر حين شارك ممثل «أحرار الشام» لبيب نحاس في مؤتمر الرياض للمعارضة السورية. حينها جرت نقاشات كبيرة داخل الحركة في شأن مدى جواز الموافقة على مدنية الدولة، والجلوس مع هيئة التنسيق السورية، التي يعدونها أقرب للنظام منها للمعارضة. فضّل حينها قادة الأحرار سحب ممثلهم وتأجيل الخلافات، والتواري خلف محمد علوش ممثل «جيش الإسلام» كممثل للفصائل الإسلامية، لاعتقادهم بأن ثمة صعوبات كبيرة للتوصل إلى حل سياسي لهذه الأزمة المعقدة. ولهذا من الأفضل عدم استعجال الأمور والانشغال بقضايا قد تؤثر في تماسك الحركة. لكن ومع تطور الأحداث على النحو الذي نشهده الآن، فإن من المرجح إذا ما صمدت الهدنة في بعض المناطق، ولم يحصل تدخل تركي، وضربت مقار «أحرار الشام» كما حدث في بعض القرى في إدلب، أن يتوطد التحالف أكثر مع النصرة. وقد نشهد أيضاً انشقاق بعض الأجنحة داخل «أحرار الشام» التي تتحفظ على العلاقة مع جبهة النصرة، وتصر على ضرورة فك ارتباطها مع «القاعدة». والأخطر من هذا كله، أن إرهاصات تفكك «جيش الفتح» الذي تكوّن من ثمانية فصائل، قد بدأت تلوح في الأفق. حيث انسحب فيلق الشام وجند الأٌقصى منه؛ وأعلنت فصائل أخرى كأجناد الشام ولواء الحق موافقتهم على الهدنة، ولم يعلنوا موقفاً واضحاً من استثناء المجتمع الدولي «جبهة النصرة» من الهدنة؛ إضافة إلى ذلك فقد ظهرت تحوّلات أخرى حين انضم جيش السنة إلى حركة أحرار الشام، وقبله اندمج صقور الشام بالحركة نفسها. وإذا ما ربطنا ذلك بالخلافات التي تعصف بحركة «أحرار الشام»، فإنه من المؤكد أن ثمة تحديات كبيرة ستواجه «جيش الفتح» خلال الأسابيع المقبلة، وتهدد تماسك التشكيل الأكبر والأكثر فعالية للمعارضة المسلحة في سورية. أما تنظيم «جند الأقصى» الذي يسيطر على بلدات مهمة في ريف حماه، كعطشان ومورك، وبعض قرى إدلب، ويتراوح عديده ما بين 800 إلى 1000 مقاتل، فقد أعلن نحو 200 عنصر انشقاقهم عنه ومبايعتهم للنصرة. ومن غير المستبعد أن تندلع اشتباكات بين جند الأقصى ومجموعات من المعارضة المسلحة، ولا سيما بعد تورطه في اغتيال عدد من كوادر الفصائل الأخرى، وفي ظل الشكوك التي تدور حوله في شأن علاقة معظم قادته ب «داعش» وخصوصاً أمير جند الأقصى المدعو أبو ذر. لكن الأخطر من هذا كله على الفصائل المسلحة، هو تواصل بعض مجموعات المعارضة مع القوات الروسية على نحو سري، الأمر الذي يطرح تساؤلات في شأن إمكانية أن تنضم هذه التشكيلات، إلى القوى التي ستحارب النصرة، ولا سيما أن كثيراً من فصائل الجيش الحر تربطهم علاقة سيئة بجبهة النصرة. أمام هذه السيناريوات المحتملة، فإن أخطاراً كارثية تتهدد فصائل المعارضة والنسيج الاجتماعي لبيئتها وتحديداً في الشمال السوري، إذا أخذنا في الاعتبار أيضاً أن معظم عناصر النصرة سوريون.