بين مصدر سيادي يصرّح، ووجه إعلامي يؤكد، ورمز سياسي يتمنى، وعضو نيابي يلوّح، ورأي وزاري يترك الباب نصف مفتوح نصف مغلق، لا يلتفت الشعب إلى هذا أو ذاك أو هؤلاء أو جميعهم. الجميع باستثناء الواقع عليهم فعل التوزير والمتحملين عبء الاستوزار والمتجرعين مرارة الانتظار. ينتظر المصريون هذه الأيام ما ستسفر عنه هوجة التكهنات وفورة التوقعات وهجمة التشكيلات الوزارية الدائرة رحاها حالياً في فئات ثلاث لا رابع لها: الإعلاميون والمشتاقون والمتوجسون. أما اللاعبون الرئيسيون، سواء كانوا الفاعلين من متخذي القرار أو المفعول بهم من جموع المواطنين، فكلاهما ملتزم الصمت مترفع عن الانغماس يفضل الانزواء إلى أن تهدأ العاصفة المنتظرة والتصبيرة المرتقبة. يترقب الوزراء الحاليون، وربما السابقون (لا سيما في ظل صرعة ما بعد الثورة للجوء إلى وزراء سابقين ليحملوا لقب حاليين ثم إقصائهم استعداداً لإعادة استدعائهم)، إضافة إلى كتائب الإعلام المكتوب وجيوش الإعلام المسموع وجحافل محللي المشهد السياسي والوضع الاقتصادي والحال الاجتماعي، وأخيراً وليس آخراً مجموعة ممن ترى في نفسها مواصفات وملكات تؤهلها لإضافة لقب «وزير» إلى سيرتها الذاتية في الخانة المهنية. مهنية الخبراء ممن أصبحوا مختصّين في شؤون التكهن بالتعديلات الوزارية والتفكر في المعايير الاختيارية والتمعن في بلورة الاختيارات الرئاسية لم تعد على المحك في مثل تلك المواسم التنبؤية، نظراً إلى وفرتها، ومن ثم إغراق سوق التوقعات حيث تخمة المعروض وتراجع الطلب الشعبي والاكتفاء بالرصد والمتابعة، أو النقد والمباعدة. أبعد رب البيت نسخة الجريدة حتى لا تكون في مجال بصره. فالعنوان الرئيس يؤكد أن مصدراً «سيادياً» صرح تصريحاً خصوصياً قال فيه أن تغييراً وزارياً لا ريب فيه موشك على الصدور. وذهب المصدر إلى حد تحديد أسماء بعينها واستبعاد أسماء دون غيرها وتأكيد أن أسماء ثالثة تتمّ دراسة ملفات أصحابها وتقويم قدراتها. ووفق المصدر، فإن رئيس الوزراء الحالي إلى استبعاد ومعه وزراء الداخلية والصحة والتعليم والري والتجارة والاستثمار. وعلى رغم التلويح إلى اسم رئيس هيئة قناة السويس الفريق مهاب مميش لرئاسة الوزراء، إلا أن تلميحاً آخر يشير إلى الاستبعاد بحكم «مسؤوليات جسام» في ملف القناة. قنوات فضائية عدة تخصص برنامجاً وفقرات للتكهن في شأن التغيير المرتقب، وتوقع ما يمكن أن يُنتظر من حكومة آتية وأخرى راحلة، وعمل قوائم استشرافية تحوي أسماء لتشكيل حكومة «تكنوقراط»، وأخرى لتجهيز حكومة «بيروقراط»، وثالثة ركيزتها «ميريتوقراط» (أصحاب القدرات والمواهب)، مع استبعاد فكرة الركون إلى «بلوتوقراط» (أصحاب المال والأعمال)، مع قليل من التذكير بزمن «ثيوقراط» (دينية) ربما بهدف العبرة والموعظة. لكن العظة التي خرج بها المصريون حديثاً هي عدم الالتفات كثيراً إلى فورات التكهنات الوزارية، وذلك لأسباب متراوحة. فمنهم العالم المتابع الفاهم لما يدور حتى وإن كان لا يجد فيه كثيراً من المنطق. وهؤلاء يعون أنه تمّ العرف الإعلامي على إلهاب الأثير وإشعال الصحف وإرباك الدوائر السياسية وإلهاء الجموع الشعبية في مواسم قرب حلول التعديلات أو التغييرات أو الإطاحات الوزارية. وهم على يقين بأن ما يتمّ طرحه من أسماء يكون إما على سبيل الحرق أملاً في أن يتم استبعاده، أو التلميع عملاً على استقدامه. ودائماً يكون هناك في دوائر متخذي القرار من يرفع راية «أذن من طين والأخرى من عجين» حيث معايير الاختيار مختلفة. ويختلف هذا القطاع من المصريين عن قطاع آخر، قد يكون عالماً متابعاً فاهماً، لكنه فاقد الاهتمام منزه عن الانجذاب. أولئك جموع غفيرة من المواطنين لا تعنيها أسماء الوزراء أو نوعية التغييرات أو حجم التعديلات، بمقدار ما تعنيها أسماء الملفات التي يهتم بها الوزراء ونوعية التغييرات التي تطرأ على حياتهم وحجم التعديلات التي يشعرون بها في معيشتهم. ونظراً إلى تواتر المشاكل وتعاظم المعضلات، فقد اتخذت الغالبية قراراً جماعياً بأن مسألة التعديل والتغيير لا تعنيها، حتى وإن كانت تتابع الموقف عن كثب، بحثاً عن إثارة أو أملاً في استنارة. حتى التواريخ تخضع للشد والجذب. فبين قائل أن التغييرات في غضون 72 ساعة، ومروّج أنها في أول الأسبوع المقبل، وملوح بأنها يوم 28 الجاري، ومرجح أن تعلن ليلاً بينما الناس نيام أو فجأة بينما هم منشغلون. لكن الانشغال لا يفسد للدستور قضية، وتحديداً المادة 146، والتي تنص على أن يكلف رئيس الجمهورية رئيساً لمجلس الوزراء تشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب، فإن لم تحصل حكومته على ثقة غالبية الأعضاء خلال 30 يوماً، يكلف الرئيس رئيساً لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز أكثرية مقاعد مجلس النواب، فإن لم تحصل هي الأخرى على ثقة الغالبية خلال 30 يوماً، يُعتَبر المجلس منحلاً ويدعو رئيس الجمهورية إلى انتخاب مجلس نواب جديد خلال 60 يوماً من تاريخ صدور قرار الحل.