«صايع أو ضايع أو إرهابي متطرف». لم تكن طرفة أو على سبيل المبالغة، لكنها أثبتت أنها الأقرب إلى الحقيقة والواقع الدرامي. ماذا فعلت الدراما بصورة الشباب، أو ماذا فعل الشباب بصورتهم في الدراما؟ أيهما أدى إلى الآخر؟ أو أيهما ألحق الكم الأكبر من الضرر بالآخر بحسن نية أو سوئها أو مع سبق الإصرار والترصد. رصدت «الحياة» آراء عدد من الشباب والشابات ومواقفهم حول صورة الشباب في الدراما المصرية، وهو الرصد الذي انتهى بسؤال: من ألحق الضرر بالآخر أكثر؟. تامر يوسف (21 سنة، طالب جامعي) يلخّص الصورة قائلاً: «الغالبية العظمى من الأعمال الدرامية التي تابعتها وتحوي أبطالاً أو أدواراً تمثل شريحة الشباب، لا تخرج عن إطار الشاب الصائع حيث يكون عاطلاً من العمل ومقيماً في المقاهي وعلى النواصي، أو يتاجر في المخدرات ومدمناً، أو يقوم بأعمال غير قانونية. والنمط الثاني هو الشاب الضائع الذي يظهر هائماً على وجهه طيلة الوقت، فهو لا يعلم لماذا جاء إلى الدنيا ولماذا يبرحها، ولماذا يتعلم أو يعمل، ويبدو كشخصية سلبية ومسلوبة الإرادة. والنمط الثالث هو الشاب المنخرط في جماعة دينية إرهابية أو متشدّدة أو كليهما، حيث يذبح هذا ويكفر هذه ويصبّ غضبه على المجتمع كله. وتبقى نماذج نادرة عن شاب طبيعي يعمل أو يدرس ويقوم بدور إيجابي أو حتى عادي في المجتمع». المجتمع الدرامي الذي حصر الشباب في هذه النماذج السيئة، عليه جانب كبير من اللوم لما لحق بالشباب المصري من سلبيات حقيقية. نادرة علم الدين (18 سنة، طالبة) ترت أن البعض من الشباب بات يعتقد أن الشاب يجب أن يدخن بشراهة، ويتكلم بعنجهية، ويكذب، ويتحرش بالفتيات خارج البيت، ويفرض سطوته على شقيقاته داخل البيت، ويسرق المال من والدته، ويسخر من المعلم، ويقود سيارته بجنون، ويرتاد المقاهي أطول وقت ممكن، يحمل أسلحة بيضاء، ويتعمد الدخول في معارك لاستعراض قوته العضلية. وتضيف أن الصورة المقدمة للفتيات في الدراما المصرية لا تقل سوءاً، «الكثير من الأعمال الدرامية يختصر البنت إما في فتاة لعوب، أو همها كله الإيقاع بزوج أو برجل في براثنها، أو غبية أشبه بالسلعة التي تباع وتشترى، أو ملتزمة عبوس ناقمة على الدنيا وتنتظر الآخرة بفارغ الصبر. أما ما عدا ذلك، فأكاد لا أتذكره». لا تتذكر أمنية فتحي (20 سنة، طالبة) نماذج شبابية بعينها في الأفلام والمسلسلات التي تشاهدها، غير البلطجية وطلاب الجامعات أو الثانوي من المنفلتين والكارهين للتعليم. تقول إنها لم تر طيلة حياتها الدراسية مثل هذه النماذج السيئة التي تصوّر المجتمع الجامعي كأنه «مدرسة المشاغبين». «ربما يكون شكلاً من أشكال المبالغة في الدراما، لكن لا يعقل أن يكون كل ما نشاهده مبالغة. الموضوع أصبح سخيفاً». السخافة التي تشير إليها فتحي لخّصتها دراسة أجرتها الباحثة منى الخياط، في كلية التربية النوعية في جامعة دمياط عنوانها «صورة المجتمع الجامعي في الأفلام السينمائية». فقد وجدت أن الشخصيات الجامعية التي تلعب أدواراً سلبية، تحتل المرتبة الأولى في الأفلام السينمائية التي شملتها الدراسة. وظهر الطالب الجامعي في شكل سلبي في ما يقارب 64 في المئة من الأفلام، في حين ظهر الأستاذ الجامعي في شكل سلبي في نحو 50 في المئة الأفلام. الأفلام والمسلسلات المصرية وعلى رغم الآراء السابقة، تعجب فئة أخرى من الشباب المصري، قلما تجذب انتباه كثر، لكنها تشكل نسبة كبيرة في المجتمع. أيمن السيد (25 سنة، نادل) يقول إنه يحب مشاهدة الأفلام والمسلسلات كثيراً. وصحيح أنه لم يركز من قبل على صورة الشباب في هذه الأعمال، إلا أنه يرى أنها لا تختلف كثيراً عن الواقع. ويتابع: «النوعيات المقدمة في هذه الأعمال تعكس جانباً كبيراً من الواقع. فالشباب المقتدر المدلل كثيراً ما يميل إلى إساءة استخدام مكانته وسلطته، ما يدخله في دائرة الضياع والصياعة». لكن أيمن يرى في الوقت نفسه، أن فئته من الشباب غير ممثلة في شكل كاف في الأعمال الدرامية، إذ تكاد تقتصر على أنماط تتطلّع إلى مستويات اقتصادية واجتماعية أعلى، فتنخرط في أعمال منافية للقانون أو الأخلاق، وهذا تنميط لا يصحّ أيضاً. وبين الواقع الدرامي والواقع الشبابي هوة عميقة وشقاق كبير. ولعل صورة الشباب المصري من غير سكان المدن هي الأكثر افتراقاً عن الواقع، على رغم أن أصحابها هم الأكثر التصاقاً بالدراما. الدراما التي تكاد لا تخرج صورها المقدمة عن شباب الريف عن الفتاة التي تقابل حبيبها في الحقل بعيداً من أعين الأسرة، والشاب الناقم على الحياة في القرية، أو ذلك الواقع ضحية للثأر في الصعيد، تحظى بمتابعة كبيرة بين شباب الريف، وإن كانت لا تحظى بتأييدهم بالضرورة. ويزيد أيمن: «هناك ضرورة أن يعايش الكتاب والمخرجون المجتمعات الشابة في الريف قبل أن يكتبوا أو يخرجوا عملاً درامياً، لأن الأنماط التي يقدمونها تحبس شباب الريف في صور مكررة لا تعبر عن الواقع. فمشكلات الريف لم تعد مختلفة عن مشكلات المدن، وحياة الشباب الريفي لا تقف على طرف نقيض من شباب المدن. صحيح لدينا خصوصيات معينة، لكن الدراما تجعلنا نبدو كأننا كائنات مختلفة، ناهيك عن اللهجات المفتعلة والمليئة بالأخطاء». أخطاء اللهجات في الدراما لا تفسد للشباب قضية، فهناك دائماً مجال للتحسين. لكن الأخطاء المتعلقة بحصر الشباب في أدوار سلبية أو نماذج انتهازية أو أفعال شيطانية هي ما يفسد قضايا كثيرة. أستاذ الاجتماع السياسي الدكتور سعيد صادق، يقول أن الدراما صناعة تهدف إلى الربح في المقام الأول وربما الأخير أيضاً. ويضيف: «صناع الدراما يقدمون سلعة لفئات بعينها، لذا فإن التوليفة التي نراها على الشاشات الكبيرة والصغيرة تعكس رؤية أهل الصناعة لما يحب المشاهد أن يتابع. العنف والأكشن والجنس جميعها تضمن جذب المشاهد لا سيما الشباب، سواء كانوا يرون أنفسهم في العمل أم لا». ويردف صادق أن «الحبكة الدرامية تحتم أحياناً إضافة بهارات تضمن الربح، حتى وإن كانت بعيدة من الواقع أو حتى مناقضة له. والدليل، أن النماذج المقدمة عن الشباب تغضبهم ويرون أنها بعيدة من الواقع، لكنهم يقبلون على مشاهدتها».