فيما يطالب البعض بالاستغناء عن تدريس التخصصات الإنسانية في الجامعات بسبب عدم توافر شواغر وظيفية لخريجيها، شدد أكاديميَّان اختصاصيان تحدثا إلى «الحياة»، على ضرورة بقائها مؤكدين أهميتها لتحقيق التوازن في المجتمعات. وبحسب الأكاديميين فإن المجتمع في أمس الحاجة إلى التخصصات الإنسانية، وخصوصاً في ظل القصور في الخدمات الاجتماعية، متطرقين إلى العوائق الكبيرة التي تحول دون اكتمال مهمات هذه التخصصات البحثية على الوجه المطلوب. وأوضح عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود أستاذ السياسات الاجتماعية أحمد البار ل«الحياة» أن الحاجة ملحة إلى جميع التخصصات بما فيها التخصصات الإنسانية، «لاسيما أن هناك من يطالب - من الأكاديميين والخريجين على حدٍ سواء - بإغلاقها، لعدم شواغر لها في سوق العمل». ودعا البار إلى الاهتمام بتلك التخصصات، كعلم الاجتماع، والخدمة الاجتماعية، وعلم النفس، وغيرها من التخصصات، مبيناً أن الحديث عن التخصصات الإنسانية واحتياج المجتمع إليها من الأمور التي تتطلب توضيحاً ومناقشة، «فلم تعد بلادنا تقتصر على سبع جامعات كما في السابق، لكن تم التوسع في الأعوام الأخيرة لتصل إلى أكثر من 30 جامعة، والأيام حبلى بميلاد عشرات الجامعات والكليات لمقابلة احتياج المجتمع». وأضاف: «الملاحظ أن معظم الجامعات والكليات الحديثة التي تم تدشينها أخيراً تشهد تركيزاً على بعض التخصصات التي تحتاج إليها سوق العمل، فبجانب تخصصات العلوم التطبيقية نجد الاهتمام ببعض التخصصات الإنسانية، كالإدارة، والاقتصاد، والمحاسبة، والقانون، والتربية الخاصة، وهو ما نلحظه في مشروع برنامج خادم الحرمين للابتعاث، إذ يتم توجيه المبتعثين لتخصصات محددة ومهمة يحتاج لها المجتمع، وهذا بلا شك أمر محمود». ثم عاد ليستدرك: «غير أننا في المقابل لا نجد التفات لبعض التخصصات الإنسانية الأخرى التي أرى أنها لا تقل أهمية، بل أجزم بأن المجتمع نتيجة للتغير الاجتماعي السريع الذي يشهده هو بحاجة إليها، وهذا ما رأيته ولمسته في أعرق الجامعات في الغرب، من خلال تجربة ابتعاثي، إذ لا يكاد الشخص يجد جامعة إلا وفيها أقسام أو كليات للخدمة الاجتماعية وعلم النفس وعلم الاجتماع». واستطرد: «الاتجاه الحديث في العلوم والمعارف هو التداخل بين هذه التخصصات interdisciplinary، فعلى سبيل المثال أصبح مألوفاً أن تجد تخصصاً يضم الاقتصاد والسياسة والإدارة». وأكد: «أعود فأقول إننا بحاجة إلى التخصصات التطبيقية المرتبطة بالمهنة، وكذلك للتخصصات النظرية المرتبطة بالفكر إذا ما أردنا تحقيق التوازن في عملية التنمية الشاملة، فالتركيز على الجوانب المادية أمر مطلوب لتحقيق البناء والتقدم والتطور والتقنية، غير أن إغفال الجانب الاجتماعي المتمثل في البعد الفكري والقيمي والأخلاقي من شأنه أن يحدث خللاً في عملية التنمية المستدامة». ونبه أستاذ السياسات الاجتماعية إلى أنه من المقلق أن هناك مجتمعات عربية وجامعات أغلقت أقساماً للاجتماع، «في الوقت التي تشهد فيه مجتمعاتنا تحديات وثورات وأزمات لا يمكن تفسيرها وتحليلها والتعامل معها من دون فكر اجتماعي». وأضاف: «التخلف الذي تشهده معظم الدول النامية بما فيها المجتمعات الغربية يحتاج إلى مراجعة شاملة للنظم والسياسات والتشريعات واللوائح والقوانين، كما يحتاج إلى تقويم للوضع الراهن، وإصلاح البيت من الداخل، كل ذلك يحتاج إلى برامج تنمية تخدم الفرد والأسرة والمجتمع، وتحقق العدالة الاجتماعية والمساواة، وتحترم حقوق الإنسان». واختتم البار بأن المناداة إلى دعم التخصصات الإنسانية «أمر ليس بالمستغرب في وقتنا الحاضر، لأن معظم ما يحيط بنا من أزمات وتحديات مرتبطة بالجوانب الفكرية والأخلاقية والاجتماعية والسلوكية، وتحتاج برامج تدخل تضع في الاعتبار حاجات الأفراد والمجتمعات، وتعي الإمكانات المتاحة والثقافة المحلية، وتنفتح على الآخر بطريقة تعزز من قوة الداخل وتحترم ثقافته».