على مئذنة أحد المساجد المطلة من مسافة بضع مئات من الأمتار على مدخل بنغازي الشرقي، بالإمكان مشاهدة علم تنظيم «الدولة الإسلامية» يرفرف شاهداً على إحكام «داعش» سيطرته على هذه المنطقة الاستراتيجية. هنا المدخل الوحيد الذي يربط المدينة بالخارج بسبب وقوع باقي المداخل على خطوط التماس، وبإمكان مقاتلي التنظيم وحلفائهم من مقاتلي «مجلس شورى ثوار بنغازي» إغلاق هذا الشريان الحيوي متى شاؤوا. لا تزال القوات التي تقاتل ضمن تحالف الجيش الذي يقوده الفريق خليفة حفتر تسيطر على غالبية أنحاء بنغازي، لكنها خسرت مواقع حيوية في المواجهة مع التنظيمات الإسلامية التي لا تزال تتحصن في حي الصابري وسوق الحوت داخل المدينة بالإضافة الى عدة أحياء على أطرافها، بالتزامن مع تأكيدات بأن تنظيم الدولة بات صاحب اليد الطولى في هذه المواقع، بعد أن حصل على مبايعة الكثير من مقاتلي «أنصار الشريعة» و «درع ليبيا» وغيرهما من التنظيمات المنضوية تحت مظلة «مجلس الشورى»، في تكرار لما كان قد حصل في مدن ليبية أخرى، بخاصة في سرت، التي بات يخشى ان تتحول لعاصمة تنظيم «الدولة» في شمال افريقيا. تزامنت زيارتنا لبنغازي مع هجوم مفاجئ للتنظيم، استهدف ميناء السدرة النفطي قرب راس لانوف الشهر الماضي، واستطاع ما يعرف بحرس المنشآت النفطية بقيادة ابراهيم جضران التصدي له، لكنّ مقاتلي التنظيم الذين شنوا الهجوم من مواقعهم في سرت والنوفلية، استطاعوا إحكام سيطرتهم على بلدة بن جواد، ليقفوا على بعد نحو خمسين كيلومتراً من الموانئ النفطية. تطور تزامن ايضاً مع احتفال «وكالة أعماق» التي تبث أخبار تنظيم «الدولة» بإعلان محمد الزوي، أمير «مجلس شورى ثوار إجدابيا» مبايعته لأبي بكر البغدادي، ليصبح اكثر من نصف المدينة الذي يضم غالبية مراكزها الحيوية تحت سيطرة التنظيم. ولتكتمل سوداوية المشهد شرقي البلاد الذي يعرف بإقليم «برقة»، بدا واضحاً ان حجم الخلافات التي كانت بدأت تنخر في صفوف تحالف حفتر قبل نحو عشرة أشهر، تصاعدت على نحو بات ينذر بانشقاق خطر، قد يؤدي لانهيارات اكبر بكثير مما حصل حتى اليوم، يتوقع ان تصب في مصلحة تنظيم «الدولة الإسلامية». بنغازي تئن يقول فرج إقعيم الذي يقود الجهاز المعني بمواجهة التنظيم في بنغازي «إن الخطر بات محدقاً»، وبأن «توسع التنظيم بات التحدي الأكبر الذي يواجه الجميع»، قبل ان يعترف بأسى «إنهم اكثر منا تطوراً داخل الميدان، وحتى في التنقل والحركة». يرأس إقعيم جهاز مكافحة الإرهاب والعمليات الخاصة في بنغازي، وهو جهاز لا يشبه في شيء نظراءه حتى في اكثر الدول فقراً، إذ باستثناء شاشة عرض تم توصيلها ببعض كاميرات المراقبة التي ترصد مداخل المقر، لا وجود لأي خبراء أو أدوات توحي بطبيعة مهام الجهاز. ينضوي تحت سلطة هذا الجهاز بضع مئات من المقاتلين المدنيين الذين كان لهم دور كبير في التصدي للتنظيمات الإسلامية التي كانت تحكم سيطرتها على مدينة بنغازي، وأسهموا مع كتائب محلية أخرى بالجهد الاكبر في دخول المدينة، عقب إعلان حفتر ما بات يعرف بعملية «الكرامة» في تشرين الاول (اكتوبر) عام 2014، ومُنحوا وضعاً رسمياً بتكليف قائدهم فرج إقعيم برئاسة جهاز مكافحة الارهاب التابع لوزارة الداخلية. يقول القائمون على عملية «الكرامة» التي ضمت مجموعة من كبار ضباط ومقاتلي الجيش الليبي والقوى المساندة، إن الدافع إليها كان استفحال ظاهرة الاغتيالات والعنف في ثاني اكبر مدن البلاد، واستطاع التحالف الذي نشأ على أثرها السيطرة على غالبية بنغازي مطلع عام 2015، وحصار تنظيم «انصار الشريعة» وكتيبة «السابع عشر من فبراير» و»راف الله السحاتي» و «درع ليبيا»، في بعض الأحياء. وأكد مصدر قيادي في «مجلس شورى ثوار بنغازي» الذي ضم هذه التنظيمات لاحقاً أن غرفة عمليات معركة بنغازي تدار من العاصمة طرابلس، وقال المصدر الذي التقيته في اسطنبول ورفض الكشف عن اسمه إن خطوط الإمداد لهذه التنظيمات لا تزال مفتوحة عبر البحر من مدينة مصراتة، وان قائد كتيبة «راف الله السحاتي» اسماعيل الصلابي الذي يعتبر الآمر الفعلي ل «مجلس شورى ثوار بنغازي» يشرف عليها من هناك. ورثة المقاتلة وتتهم قيادة حفتر هذه التنظيمات بسعيها لإقامة إمارة إسلامية في ليبيا، وبأنها تتحدر من رحم تنظيم «الجماعة الليبية المقاتلة» بالنظر إلى تاريخ غالبية قياداتها، ويتبنى تنظيم «المقاتلة» الذي تشكل على يد جهاديين ليبيين شاركوا في قتال السوفيات في أفغانستان، نهاية الثمانينيات من القرن الماضي الفكر السلفي الجهادي، وكان يهدف لإسقاط نظام القذافي، واستطاعت اجهزة الامن الليبية اكتشاف مخططاته فقضت على مجموعة من أتباعه فيما اعتقلت مئات آخرين. ويرفض رجل طرابلس القوي خالد الشريف، القيادي السابق في «المقاتلة» هذه الاتهامات، ويقول في لقاء معه في اسطنبول إنه «بعد سقوط القذافي، حُلّت الجماعة الليبية المقاتلة رسمياً، وعملت قياداتها في عدّة مجالات، بعضهم من شكل حزباً سياسياً كعبدالحكيم بلحاج، وبعضهم خاض الانتخابات وفاز عن منطقته ودخل المؤتمر كالشيخ عبدالوهاب قايد، وبعضهم من اعتزل العمل الحكومي وانخرط في مؤسسات المجتمع المدني، مثل الشيخ سامي الساعدي، والبعض الآخر عمل مع الحكومة كما فعلت أنا كوكيل لوزارة الدفاع لمدّة سنتين.» وغادر الشريف ليبيا عام 1988 الى أفغانستان حيث شارك في «الجهاد» ضد السوفيات، وشغل منصب المسؤول الأمني في «المقاتلة»، وبعد غزو افغانستان إثر أحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) 2011 اعتقل في بيشاور عام 2003، حيث سجن في كابول وباغرام من قبل الاستخبارات الاميركية لمدة عامين، ويقول إنه قد تم تسليمه بعدها إلى نظام القذافي عام 2005 ليحكم بالإعدام عام 2009، قبل ان يتم الإفراج عنه بعد عام إثر المراجعات التي أجرتها «المقاتلة» في إطار الحوار مع نظام القذافي. ولا يخفي الشريف الذي يُتهم بأنه أحد العقول المدبرة للتنظيمات المتطرفة في ليبيا أنه يسعى لإقامة شريعة الإسلام في ليبيا، ويقول الرجل الذي لا يزال يسيطر على سجن «الهضبة» في طرابلس حيث يقبع كبار رجالات النظام السابق بمن فيهم عبدالله السنوسي والساعدي القذافي: «نحن نسعى في ليبيا إلى أن تكون الأحكام أحكاماً إسلامية، لأن الشعب الليبي شعب مسلم، وهذا ما أقرّه الدستور في المؤتمر». ويثير استمرار وجود قيادات الجماعة الليبية المقاتلة كالشريف وبلحاج وقايد (شقيق ابو يحيى الليبي) وسامي الساعدي في واجهة المشهد السياسي قلقاً كبيراً لدى كثيرين، حتى داخل معسكر الإسلاميين الذي يضم طيفاً متنوعاً يصل حد التناقض في بعض الاحيان، ويقول ونيس المبروك عضو هيئة علماء المسلمين لدى سؤاله عن مدى ثقته بتخلي هؤلاء عن الافكار التي قاتلوا من أجلها في الماضي: «إن الممارسات هي ما سيبين صدق الأقوال والدعاوى»، وطالب الجميع بضرورة «التخلي عن مشاريع الجماعات والاحزاب والقبائل المنفصلة عن الرؤية الوطنية المتكاملة». في جولة مع فرج إقعيم بسيارته المصفحة على محاور القتال في الصابري بدا واضحاً ان تنظيم «الدولة» بات همه الاكبر، يدرك الرجل أن كل يوم يمر دون هزيمة هذا التنظيم سيجعل القضاء عليه اصعب بكثير. بعد بضعة أيام على هذه الجولة، تعرض اقعيم لمحاولة اغتيال بعبوة ناسفة في السيارة التي تجولنا بها، ويعتقد أن تنظيم «الدولة» هو من نفذها، وبعد ذلك بأيام قليلة استُهدف مقر جهاز مكافحة الارهاب بصواريخ غراد ما أدى لتدمير جزء كبير منه. حين بدأت عملية «الكرامة» لم يكن تنظيم «الدولة الاسلامية» قد بدأ بمد نفوذه إلى ليبيا علناً، إذ يعتقد ان بداياته كانت من درنة في نيسان(ابريل) 2014، بتأسيسه ما عرف حينها «مجلس شورى شباب الإسلام». كان خيار التنظيم محسوباً بدقة لاحقاً باختيار سرت معقل قبيلة القذاذفة وسط الشواطئ الليبية منطلقاً لتأسيس «الدولة» في ليبيا، فالمدينة عملياً كانت تحت سيطرة تنظيم «أنصار الشريعة» الذي كان يعاني من انشقاقات كبيرة، دعمت مساعي تنظيم «الدولة» للتسلل إلى هناك أواخر العام 2014. وكما في العراق وسورية توصل التنظيم لتسويات سريعة مع قبائل المنطقة، واستطاع ضم أنصار القذافي الحانقين على حكام البلاد الجدد لما تعرضوا له على أيديهم، ليعلن عن سيطرته على المدينة برمتها، متوجاً ذلك بإعدامه أكثر من عشرين قبطياً مصرياً على شواطئها في شباط(فبراير) 2015. ومن هناك مد التنظيم نفوذه شرقاً باتجاه مدينة النوفلية على بعد 150 كيلومتراً شرقي سرت، وغرباً حيث سيطر على بلدات صغيرة كالوكشة ووادي زمزم التي تمتد إلى حدود منطقة مصراتة. ورداً على بدء قوات مصراتة هجوماً لطرد التنظيم من سرت، استطاع مقاتلوه الرد سريعاً بتفجير عدة سيارات مفخخة وعمليات نوعية، ليس في مصراتة فحسب وإنما في طرابلس أيضاً في إشارة فهمت جيداً على ان بإمكانه إرباك المشهد برمته غربي البلاد، ما أدى لوقف أي مخططات لاستعادة السيطرة على سرت. وأتاح تمدد التنظيم على مسافات شاسعة شرقي وغربي سرت اتخاذ المدينة منطلقاً آمناً لبناء دولته وتوسيع نفوذها مستفيداً من الاقتتال والفوضى السياسية العارمة التي تعانيها ليبيا، إذ بدأ سريعاً بتأسيس خلايا في مدن الشرق، بخاصة في إجدابيا وبنغازي، واحتفظ ببعض الجيوب في مدينة درنة بعد ان استطاعت «كتيبة شهداء ابو سليم» التي تضم مقاتلين من «الجماعة الليبية المقاتلة» طرده من المدينة في منتصف حزيران (يونيو) عام 2015. حفتر يخسر ويرجع آمر جهاز مكافحة الارهاب والعمليات الخاصة فرج إقعيم سبب عدم القدرة على حسم معركة بنغازي، والتراجع الذي تلى ذلك وأتاح لتنظيم الدولة توسيع نفوذه في المدينة، لنقص الامكانيات وقلة تسليح الجيش الليبي، لكنه يقر بأن جزءاً كبيراً من أسباب ما آلت إليه الامور هو «الاختلافات السياسية بين قيادات المحاور والقيادات العسكرية وقيادات الدولة»، مضيفاً أنه «يفترض بقادة الجيش ألا تكون لهم علاقة بالسياسة»، في إشارة واضحة إلى تطلعات بعض قيادات الجيش للوصول إلى السلطة، وطالب قيادة الجيش بالابتعاد عن السياسة، و «التركيز على تكوين جيش ليبي قوي بغض النظر عن الحكومة التي يجري تشكيلها على خلفية الاتفاق السياسي الذي وقعت عليه الأطراف الليبية السياسية في الصخيرات». ورغم عدم تصريحه في شكل واضح، إلا ان إقعيم كان يشير ضمناً إلى الإشكالية التي تسبب بها ترشيح رئيس حكومة التوافق فايز السراج لقائد كتيبة الدبابات في بنغازي المهدي البرغثي ليشغل منصب وزير الدفاع، إذ ليس سراً أن العلاقة بين حفتر والبرغثي شبه مقطوعة منذ زمن، وان الرجل الذي عين رسمياً كقائد عام للجيش والقوات المسلحة لن يقبل بهذا التعيين مهما كلفه الأمر. وبالفعل سقطت الحكومة في امتحان منح الثقة أمام برلمان طبرق سريعاً. حين التقيت حفتر العام الماضي، نفى بشدة ان يكون لديه اي تطلعات لحكم البلاد على طريقة القذافي، وأكد ان جل همه هو جلب الامن والاستقرار، لكنه لم ينف احتمال سعيه للترشح لرئاسة ليبيا ان استتبت الامور، كما قال إنه على استعداد للانسحاب من المشهد إن كان ذلك في مصلحة البلاد. لكن الكثير من قادة الكتائب الذين التقيتهم في بنغازي اعترضوا بشدة على طريقة إدارة حفتر لقيادة الجيش، واتهمه بعضهم بأنه يستخدم الذخيرة والعتاد الحربي لشراء الولاء. ونفى المتحدث باسم الجيش الليبي الرائد محمد حجازي الذي التقيناه عند محور سوق الحوت قرب ميناء بنغازي بشدة، صحة الانباء عن تصدع تحالف القوى الذي يقوده الفريق حفتر على خلفية إدارة الاخير للمعركة، ودافع باستماتة عن قائده بالقول إنه «لو ترشح للرئاسة اليوم فسيكون على رأس السلطة المدنية، إلا ان لديه واجباً وطنياً شريفاً ومقدساً هو محاربة الارهاب والتطرف». بعد خمسة أيام على هذا الحديث أعلن حجازي انشقاقه عن قيادة حفتر، واتهمه «بتأسيس كتائب موازية للجيش موالية له»، وانه كان «يحول دون توزيع الآليات العسكرية ووصول الذخيرة لمحاور القتال خصوصاً في مدينة بنغازي»، مشيراً إلى ان الأمر كله متعلق «بسعيه وسعي ابنائه للوصول إلى السلطة» في إشارة للكتائب التي كُلف ابناء حفتر صدام وخالد وبلقاسم بإدارتها. مقدمات التصدع وكانت الخلافات داخل صفوف معسكر الكرامة قد خرجت الى العلن منذ نحو عشرة أشهر، بإقالة العقيد فرج البرعصي من قيادة معركة بنغازي، ويقول البرعصي الذي التقيناه في مزرعته بالقرب من مدينة البيضا إنه يعرف الرجل منذ العام 1977 حين عين في كتيبة مدفعية في طرابلس، حيث كان حفتر آمر هذه الكتيبة، ويتذكر بأسى تلك الايام حين كان لا يزال الجيش الليبي في أفضل أيامه قبل ان يفككه العقيد معمر القذافي ويبدأ بإنشاء الكتائب التي سيطر عليها أبناؤه. ويعيد البرعصي سبب الخلاف مع خليفة حفتر إلى حديثه صراحة أن لا جيش في ليبيا، وان القوات النظامية لا تتعدى نسبتها 20 في المائة من القوى التي تتألف منها الكرامة، مستشهداً بالطريقة التي تم من خلالها البدء بالعملية، إذ يقول إن البداية كانت من منطقة بنينا، ومنها تم الانتقال لاحقاً لدخول بنغازي، ويشير إلى ان «الفضل في دخول المدينة يعود لشباب بنغازي وللكتائب التي كانت هناك، ومنها كتيبة الدبابات بقيادة المهدي البرغثي»، مسجلاً أن «الجميع كان متوحداً وعلى قلب رجل واحد في حربهم ضد داعش وتنظيم القاعدة، وأن الحرب لم تستهدف شباب بنغازي». وانعكس إعفاء البرعصي من مهامه في شكل لافت على مسار المعارك في بنغازي، إذ خلال زيارتنا للمدينة بعد نحو شهر على مغادرة منصبه في نيسان الماضي، كان الجيش لا يزال متفائلاً بإمكانية حسم المعركة قريباً، لكن بعد فترة وجيزة، غادر المئات من المقاتلين الموالين للبرعصي محاور القتال، ما أدى لتقدم الميليشيات الإسلامية واستعادة مواقع كان الجيش قد أمنها مسبقاً. وينفي البرعصي ان يكون قد أعطى أي أوامر لمقاتليه بالانسحاب من بنغازي، ويرجع سبب ذلك إلى سوء المعاملة التي لقوها، واتهم حفتر بأنه يخبئ الكثير من الاسلحة والعتاد الحربي في القاعدة التي يتخذ منها مقراً له في مدينة المرج، رغم الحاجة الماسة لها في معركة بنغازي. في المقابل تقول القيادة العسكرية في المرج أن سبب إقالة الرجل يعود لكونه يعمل وفق اجندته الخاصة، متهمة إياه بأنه من مؤيدي القذافي، مستندة بذلك إلى القرابة التي تجمع الرجل بزوجة القذافي صفية فركاش، التي تتحدر من قبيلة البراعصة، لكن البرعصي أعاد السبب إلى طبيعة تكوين شخصية حفتر الذي «يرفض التعامل إلا باعتباره القائد الاوحد»، محملاً إياه مسؤولية خلق فجوة كبيرة في صفوف مكونات «الكرامة»، ومذكراً بأنه هو نفسه كان قد اعتقل لعام ونصف في 1993 من قبل نظام القذافي لاتهامه بأنه كان ينسق مع حفتر، الذي كان في حينها يعمل مع الجبهة الوطنية للإنقاذ التي كانت تسعى لإسقاط نظام القذافي. حاولنا مراراً الاتصال بالفريق خليفة حفتر لسؤاله عن هذه الاتهامات، وبعد عدم الحصول على جواب أرسلنا الاسئلة لمكتبه الذي رد بأن «القيادة العسكرية لا ترسل أي إمدادات إلا لوحداتها النظامية وبعض الكتائب المساندة الموثوقة»، ونفى صحة ما قاله البرعصي بأن مدرعات جديدة وصلت للجيش لم يتم استخدامها في معارك بنغازي، وقال إن «هذه المدرعات مخصصة فقط للعمليات الكبيرة.» ورغم إبعاده عن المعركة وإقامته بعيداً في البيضا، لا يزال البرعصي على صلة وثيقة ببعض اهم قادة الكتائب الذين يستشيرونه في الكثير من الامور، ليس في بنغازي فحسب، وإنما في برقة عموماً، وكان لافتاً حين التقيته اطلاعه التفصيلي على الهجوم الذي شنه تنظيم الدولة الإسلامية على الموانئ النفطية في السدرة، مشيداً بصد حرس المنشآت النفطية بقيادة ابراهيم جضران للهجوم، ومستشهداً بقول جضران إن «حفتر وداعش وجهان لعملة واحدة» كدليل على ازدياد الانشقاق في صفوف تحالف حفتر، بالنظر إلى ان جضران كان من اهم حلفائه في التصدي لكتائب مصراتة التي حاولت السيطرة على الموانئ النفطية العام الماضي ضمن ما كان يعرف بعملية «الشروق». سؤال المرحلة11 اليوم، بسبب تضارب المصالح الضيقة لمراكز القوى في البلاد والتعقيدات القبلية والاجندات الإقليمية ورؤية الغرب لشكل الدولة المنشود، الجميع يخسر في ليبيا، باستثناء تنظيم الدولة الإسلامية، وإذ يبدو ان لا آفاق لاتفاق الصخيرات بوضع حد للانقسام السياسي وتشكيل حكومة وحدة كشرط من القوى الغربية للتدخل والمساعدة في القضاء على التنظيم، يعتقد ان المزيد من الرايات التي شاهدناها عند مدخل بنغازي الوحيد سترفرف في الكثير من انحاء البلاد، وقد لا يكون من المفاجئ مشاهدة أبو بكر البغدادي يخطب في رعيته من احد مساجد سرت، او يحاضر في قيادات التنظيم في مركز مؤتمرات واغادوغو في المدينة. في مؤتمر ضم وزراء خارجية دول المجموعة المصغرة للتحالف الدولي ضد «تنظيم الدولة الإسلامية» عقد في روما مطلع الشهر الجاري، قال الجميع إنهم يتابعون بقلق تنامي نفوذ التنظيم في ليبيا، وانهم سيواصلون رصد التطورات هناك عن كثب، وحذر وزير الخارجية الاميركي من مساعي التنظيم للسيطرة على الثروة النفطية التي تتمتع بها البلاد، لكن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس كان اكثر صراحة بالقول إنه «من غير الوارد إطلاقاً التدخل عسكرياً في ليبيا ضد تنظيم الدولة الإسلامية». لماذا؟ لا جواب اقله حتى اليوم... * صحافي في الخدمة العالمية ل «بي. بي. سي.» * هذا التحقيق جزء من وثائقي يعرض على «بي. بي. سي عربي» بعد غد الإثنين.