«أوقفوا العالم، فأنا أريد النزول!» هو عنوان كتاب عالم النفس والرحالة والكاتب الألماني مارتين كريغل الذي حظي باحتفاء كبير من طرف الأوساط الإعلامية الألمانية. (Eazybookz 2015) يسافر الكاتب إلى مناطق مختلفة من العالم، وعبر ذلك يقدم لنا درساً في السفر، ولكن أيضاً، يوضح كيف يمكن للسفر أن يمثل رحلة حقيقة إلى الذات. إنه أفضل تدريب للشخصية كما يقول، فعبر السفر نتعلم العفوية والمرونة والصبر وتحمل المشاق ونربط علاقات جديدة ونخرج من اليومي الذي يسرقنا من الحياة الحقيقية. وتعلمنا تجارب السفر بعد عودتنا طريقة التعامل مع حياتنا من جديد وتجنبنا أشكال الاستلاب اليومية، فكثير من الناس، كما يقول مارتين كريغل، يمعنون في ارتباطهم بعلاقات ومشاريع لا يريدونها. إن السفر يعلمنا حب المغامرة ويحررنا من الروتين القاتل. فمن يسافر، مضطر لتجربة أشياء جديدة، ومغادرة المنطق الأمني، ففي البلد الأجنبي نتحرر من سياقنا الثقافي - الاجتماعي. إن السفر، يقول كريغل، هو استثمار في الشخصية، وهو علاوة على ذلك، يشعرنا بأننا نملك الوقت وليس الوقت من يملكنا. وبعيداً عن حياته اليومية، يشعر الإنسان بنفسه وهو على سفر قريباً من ذاته. ولهذا ينصحنا كريغل بالسفر وحدنا، من دون رفقة. إذ على المسافر أن يتعلم مواجهة ذاته واتخاذ قرارات وحده وأن يعيش حريته إلى تخومها القصوى. يأخذنا كتاب مارتين كريغل في رحلة حول العالم وفي كل بلد من تلك البلدان التي يحل بها، نتعلم معه درساً جديداً في الحياة، إنه يجرب في كتابه أساليب حياة مختلفة، فهو يريد أن يعرف مثلاً كيف يعيش أصدقاء اختاروا الهجرة إلى بلدان أخرى، ويطلعنا كيف يمكننا العيش في سعادة وإقبال على الحياة في أماكن مختلفة من العالم بلا حاجة إلى كثير من المال. وهو يريد أن يحث القارئ على تجربة السفر ويرى أن كتابه يدخل في باب كتب النصائح النفسية التي تطمح إلى تعليمنا كيف نتجاوز رداءة اليومي وننطلق إلى آفاق جديدة. إن سؤاله المحوري يقول: «كيف نشعر حين نتخلى عن كل ما يحاصرنا ونعيش الحياة التي نريدها؟». يرى كريغل أن هناك عراقيل ثقافية تمنعنا من السفر وأن الإنسان يشعر في ألمانيا بنفسه سجيناً، «فكل شيء منظم بشكل مثالي ويتمتع بنجاعة، والواجب يسبق المتعة». إن تلك العقبات الثقافية تمنعنا من السفر والمغامرة ولا تشجعنا إلا على القبول بما هو قائم، في حين يعلمنا السفر كما يكتب كريغل «على التفكير بأحلامنا واستعادة رغباتنا المكبوتة»، إنه يقربنا من ذواتنا ويفتح أعيننا على حدودنا الداخلية. استمرت رحلة مارتين كريغل حول العالم سنة كاملة، ونقلته إلى قارات ومناطق مختلفة، وعبر ذلك تعرف إلى العالم من حوله وتعرف خصوصاً على ذاته، إنه يشعر بنفسه أكثر قوة ومضاء من ذي قبل، وهو ينصحنا أن نقبل على السفر، حتى وإن لم يكن ذلك لأكثر من أربعة أسابيع. مارتين كريغل: وطنه هو برلين، أما بيته فهو العالم كما يقول.