لم يُشفَ العالم بعد من الجائحة المخيفة لفيروس «إيبولا» وفشل «منظمة الصحة العالمية» حياله، حتى جاءته عاصفة الفيروس «زيكا» مترافقة مع شلل مروّع في مواجهتها، وحيرة العلماء في شأن سرّ عودة ذلك الفيروس الذي يفتك بأدمغة الأجنّة ويورثها ضموراً مريعاً. وتزايد التوجّس من خطورة الأوبئة المنفلتة، مع إعلان سيراليون قبل يومين عودة فيروس «إيبولا» الفتّاك إليها، وتسبّبه بحالتي وفاة فيها. وكذلك لا يدّعي بيل غيتس، مؤسّس شركة «مايكروسوفت»، أنّه نوستراداموس العصر، لكن ترافق عودة «إيبولا» مع «عاصفة زيكا» التي تجتاح الأميركتين، يستحضر إلى الأذهان توقعاته التي أطلقها أواخر العام الماضي، في شأن الآفاق القاتمة التي تحملها الأوبئة للجنس البشري، على رغم التقدّم العلمي الهائل للطب وعلومه، ودعوته لإنشاء «جيوش» متخصّصة في مكافحتها. هل يسمع المؤتمرون في «منتدى دافوس» الصراخ المكتوم للأجنة المصابة ب»زيكا» وصرخات الرعب من عودة «إيبولا» إلى شوارع أفريقيا؟ تنبئ وقائع ال2016 بأن الأوبئة ما زالت ترسم حاضر علاقة الإنسان مع المرض، بل ربما مستقبله أيضاً، والمؤلم هو حال العجز الكبير حيالها. إذ لم يكتفِ الانفلات الغامض لفيروس «زيكا» في الأميركيتين، بإصابة آلاف الناس، بل ضرب الأجنة في الأرحام. ومع إعلانها إصابة قرابة 13 ألف شخص، أعربت كولومبيا عن خشيتها من انتقاله إلى 700 ألف شخص، مع القلق من إصابة الحوامل به. ويؤدي الفيروس الذي ينقله بعوض «إيديس إيجيبت» الذي يحمل أيضاً الحمى الصفراء ومرض الضنك، إلى إحداث ضمور في أدمغة الأجنة. ولاحقاً، يؤدي الضمور إلى أنواع من الشلل والتخلف العقلي، وربما أوصل إلى الوفاة. وبدأت موجة «زيكا» في بورتوريكو قبيل انتهاء العام المنصرم، ثم اجتاحت الباراغواي والبرازيل، وانتشر في الأميركتين، بما فيهما الولاياتالمتحدة. وتخشى البرازيل أن ينفلت «زيكا» في الأسبوعين المقبلين، بالترافق مع استضافتها الأولمبيادشبابياً، ومهرجاناتها الشعبية الواسعة التي تتضمن «كرنفال ريو» الشهير. وأحدث «زيكا» الذي ظهر في أفريقيا في أربعينات القرن الماضي ثم اختفى، إصابات بالحمى المترافقة مع أوجاع العضلات طاولت جزر «الأنتيل» الفرنسية و»هاواي» الأميركية. وأصدرت «مراكز رصد الأمراض» الأميركيّة نداءً إلى الحوامل بتجنب السفر إلى 14 دولة في أميركا اللاتينيّة والبحر الكاريبي. وأوصتهن بإجراء صور صوتيّة للرحم في غضون أسبوعين قبل سفرهن إلى تلك الدول أو بعده. بالترافق مع موجة «زيكا»، أعلنت سيراليون حالتي وفاة بفيروس «إيبولا» الذي يسبب حمى ونزفاً من فتحات الجسم، ويفضي إلى الوفاة بنسبة عالية. وتعني وفيتا سيراليون نقضاً لإعلان «منظمة الصحة العالميّة» انتهاء موجة وباء «إيبولا» في غرب أفريقيا، أواخر العام الماضي. وبوضوح، يعني ذلك عودة «إيبولا» إلى أفريقيا، ما يعني فشلاً هائلاً للعلم والمؤسّسات الطبيّة في مواجهته، إضافة إلى التهديد الواسع لحياة ملايين البشر وصحتهم في تلك القارة. وبين عامي 2013 و2015، تسبّب الفيروس بقرابة 28 ألف إصابة، وقتل أكثر من 11 ألف شخص. هل يعود إلى أفريقيا مشهد الجثث المتراكمة في الشوارع، والعيادات البائسة التي تقام على عجل كي تقاوم مرضاً لا تملك دواءً ضدّه؟ ماذا عن اللقاحات المبتكرة التي أُعلن عن إمكان استخدامها بصورة استثنائيّة في مواجهة إيبولا؟ وفي رسائل وجهها إلى كبريات الصحف العالميّة، شدّد غيتس على فشل المؤسّسات الطبيّة المعنية بالصراع مع الأوبئة، خصوصاً «منظمة الصحة العالمية»، في مواجهة الانتشار الواسع لفيروس «إيبولا» القاتل في أفريقيا، خصوصاً دول ساحلها الغربي. ودعا إلى إنشاء فرق محترفة تستعد لمقاتلة الأوبئة حال ظهورها، على غرار قوات التدخل السريع في الجيوش الكبرى، خصوصاً أن وباء «إيبولا» كشف عجزاً هائلاً في «منظمة الصحة العالمية» ووسائلها في مقاومة الأوبئة.