إذا كان المبصر يستطيع إيصال رسالة «الكفيف» الإنسانية والاجتماعية، ففي مقدور الأخير إيصال رسالته بصورة معبرة وأكثر تأثيراً من غيره، فهو خير من يمثّل نفسه أمام مجتمعه، بما يبثه من مشاعر صادقة لا يشعر بها سواه، ولا سيما وهو واقف على خشبة المسرح. وشهدت الأعوام الخمس الماضية اهتماماً ملاحظاً بمسرح المكفوفين، وتأسيس فرق مسرحية لهم في بعض الدول الخليجية والعربية، تتنأول هموم ومشكلات هذه الشريحة وتمنحهم فرصة التعبير عن مكنونات أنفسهم، وتبرز مواهبهم وإبداعاتهم بصفتهم شركاء في بناء المجتمعات وتنمية أوطانهم. ويعتقد أن أول اهتمام مسرحي عالمي بفئة المكفوفين، لقي انتشاراً واسعاً مسرحية «عميان» للكاتب البلجيكي «ميترلنك»، التي كتبها بالفرنسية في عام 1890، ونال عليها جائزة «نوبل» للآداب عام 1911، وجسدت المسرحية انتظار المجهول، والخوف من الحياة والموت، أو كما وصفها آخرون بأن لها بعداً فلسفياً، يترجمه ويستوعبه المتلقي، بحسب ثقافته وذائقته الشخصية. وفي السعودية ظهرت بعض الفرق المسرحية مثل «صوت الإرادة»، وفرقة «نجم» التابعتين لجمعية «كفيف» الخيرية، إذ قدّمت عروضاً مسرحية مثل مسرحية «غريب» التي تناقش قضايا اجتماعية في قالب كوميدي، وشاركت في مناسبات عدة مثل اليوم العالمي للمسرح، وعيد الفطر الماضي، وكذلك مسرحية «الفتان» ومسرحية «عميان»، إضافة إلى عروض مسرحية أخرى، نالت إعجاب الجماهير في مختلف مناطق المملكة. وتستطيع الشريحة غير المبصرة من الناس، ممن تمتلك موهبة الفن والتمثيل، إيصال صوتها للمجتمع، من خلال أعمال هؤلاء، وإبداعاتهم المسرحية التي يقومون بها، وبأدوارهم التي تجسّد حالات إنسانية أو قضايا اجتماعية، ففي مسرحية «عميان» التي انطلقت أخيراً على مسرح جامعة «دار العلوم» ضمن مهرجان «واعد» وقام بأدوارها سبعة شبان سعوديين من جمعية «كفيف» قدموا طرحاً جديداً، اختلف في مضمونه عما قُدم في عروض مسرحية سابقة، وأضاف بعداً آخر يتمحور حول تغيير النظرة النمطية السائدة في ذهنية المجتمع، المتبلورة في محدودية المهن التي يزأولها الكفيف إلى مجالات أرحب وأوسع في مختلف أنشطة الحياة. وأوضح المدير العام لجمعية المكفوفين الخيرية في منطقة الرياض محمد الشويمان، أن مسرحية «عميان» أظهرت شخصية الكفيف الحقيقية، مشيراً إلى أن مشاهدها تكشف أن في مقدور الكفيف ممارسة مهن أخرى، مثل ورش السيارات، والعمل في بيئة مغايرة عما عهده الناس، وقد يكون الكفيف محتالاً وسيء الطباع، وقد يكون رجلاً سوياً مثله مثل باقي البشر. وأضاف في حديثه إلى «الحياة» أن «الجمعية تحرص على إبراز مهارات ومواهب المكفوفين الفنية والإبداعية التي لا يعرفها المجتمع، وبالتالي فهم بحاجة إلى الدعم والمساندة والتشجيع وإتاحة الفرص لهم لإظهار هذه القدرات، والطاقات، والمواهب، سواء كانت في مجال التمثيل، أم المسرح، أم الشعر، أم الفن، والابتكار، أم في أي مجالات أخرى». وأفاد بأن الجمعية أنتجت فرقتين في المسرح، الأولى «صوت الإرادة» وانطلقت قبل عامين، وشاركت في مناسبات عدة، ومنها اليوم العالمي للمسرح، والثانية فرقة «نجم» وكانت باكورة نشاطها مسرحية «عميان» وقدمت عرضها خلال الشهر الماضي.