يودّع السودان عام 2015 بخيبة أمل بعدما كان متوقّعاً أن تكون بداية مصالحة وطنية وسلام مستدام يطوي صفحة قاسية من حياة السودانيين، لكن السنة المنقضية عمّقت معاناتهم الاقتصادية ودفعت عشرات الآلاف إلى مغادرة الوطن بحثاً عن حياة أفضل، وبدا لافتاً تزايد هجرة الأطباء وأساتذة الجامعات. الرئيس عمر البشير الذي أكمل 26 سنة في السلطة، بدأ ولاية جديدة مدتها خمس سنوات، عبر انتخابات رئاسية في نيسان (أبريل) الماضي بلا منافسة حقيقية، وانتخابات تشريعية غابت عنها المعارضة، ما دفعه الى الامتناع عن منافسة أصدقائه الذين أفسح لهم مقاعد بجواره في البرلمان ومجلس الوزراء. البشير استمر في تحدّيه المحكمة الجنائية الدولية التي تلاحقه بارتكاب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، وزار دولاً خارج المنطقة فشدّ الرحال الى الصين والهند بعد مطالب قانونية بتوقيفه في جنوب أفريقيا خلال مشاركته في القمة الأفريقية الأخيرة، في قضية لا تزال محل تجاذب قضائي هناك. هيأت الأزمة في اليمن فرصة لعودة العلاقات السودانية - الخليجية الى وضعها الطبيعي بانضمامه الى «عاصفة الحزم» لإعادة الشرعية إلى اليمن، بعدما ظلت العلاقات بين الخرطوم وعواصم خليجية في حال توتر صامت، وفتح الباب امام تعاون اقتصادي وجذب استثمارات تخفّف من الضغوط والتدهور نتيجة عقوبات أميركية مستمرة منذ 18 سنة. بعد سنة من طرح البشير مبادرة لحوار وطني بين قوى الموالاة والمعارضة لتحقيق مصالحة وطنية، بدأت في الخرطوم منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي جلسات حوار بمشاركة نحو 130 حزباً وحركة مسلحة صغيرة تستمر حتى بداية العام الجديد، غير أن قوى المعارضة الرئيسية بشقيها السياسي والمسلح قاطعت الجلسات، وتراجع سقف التوقعات بتحقيقها اختراقات نحو مصالحة وطنية وسلام مستدام. تحالف متمرّدي «الجبهة الثورية» الذي يتألف من «الحركة الشعبية – الشمال» والحركات المسلحة الرئيسية في دارفور انقسم على نفسه بسبب نزاع الطرفين على رئاسته، وتمسكت حركات دارفور بأن تنتقل اليها الرئاسة بينما رفضت «الحركة الشعبية» التنازل عن الموقع. ونشأ تحالف جديد باسم قوى «نداء السودان» الذي يجمع هذه الحركات بالاضافة الى حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي، ويتجه المتحالفون الى رئاسة جماعية لتجنب الاستقطاب حول القيادة. وأفلحت الحملة العسكرية للحكومة السودانية في قصم ظهر الحركات المسلحة في اقليم دارفور التي لم يعد لها وجود سوى في جيوب محدودة، مما وسّع دائرة الأمن والاستقرار في الإقليم، بينما لا تزال «الحركة الشعبية» تسيطر على مناطق واسعة في ولاية جنوب كردفان وشريط في ولاية النيل الأزرق. وفشلت قبل اسابيع الجولة العاشرة من المحادثات بين الحكومة ومتمردي «الحركة الشعبية – الشمال» في إنهاء الحرب بولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق بعد توقفها تسعة أشهر، وانهارت جولة جديدة من التفاوض في شأن أزمة دارفور بين الخرطوم وحركتي «العدل والمساواة» بزعامة جبريل ابراهيم و «تحرير السودان» برئاسة مني اركو مناوي، على رغم تدخل الرئيس التشادي إدريس ديبي بلقاء قادة المتمردين في العاصمة الفرنسية باريس، بحكم انحدار ابراهيم ومناوي من قبيلة «الزغاوة» التي ينتمي إليها. وفي شأن العلاقات الخارجية ترى الحكومة أنها تدخل للمرة الأولى حواراً رسمياً مباشراً مع الولاياتالمتحدة الأميركية لتطبيع علاقتهما، واستمرت واشنطن بتخفيف العقوبات ورفع الحظر جزئياً عن التعليم والصحة وتكنولوجيا الاتصالات ومنح تأشيرات للسودانيين الراغبين في زيارتها من سفارتها في الخرطوم بعد عقدين من الزمان. وفي مقابل انفتاح علاقات السودان عربياً، تراجعت أفريقياً إثر رفض الخرطوم مقترحاً من مجلس السلم والأمن التابع الى الاتحاد الأفريقي بعقد مؤتمر تحضيري للحوار الوطني بين الحكومة والمعارضة بشقيها السياسي والمسلح في مقر الاتحاد في العاصمة الأثيوبية. وتشكّلت قناعة لدى زعماء أفارقة بأن السودان أدار ظهره للأفارقة بعدما وجد سنداً سياسياً ودعماً مالياً عربياً. كما تراجع التوتر بين الحكومة والبعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور «يوناميد» المنتشرة في الإقليم منذ بداية العام 2008، ووصلت الى مرحلة مطالبتها بالمغادرة، ونجح موقف الخرطوم في تغيير قيادة البعثة التي ترى أنها تحاول رسم صورة غير حقيقية عن الأوضاع في دارفور لضمان استمرار البعثة والامتيازات المالية التي توفرها المنظمة الدولية. الوضع الاقتصادي ظل في حال تدهور، وفقد الجنيه السوداني نحو 70 في المئة من قيمته، وفاقم الأزمة شح الأمطار التي تعتمد عليها الزراعة بشقيها النباتي والحيواني، وبات الاقتصاد يستند إلى عائدات الذهب في سد فجوة النقد الاجنبي بعد الإخفاق في زيادة انتاج النفط. وفكّرت وزارة المال في زيادة اسعار الخبز والكهرباء والمحروقات، لكن الحكومة تراجعت خوفاً من كلفتها السياسية وتكرار تظاهرات الاحتجاج على رفع اسعار المحروقات في العام 2013 التي راح ضحيتها عشرات القتلى.