تبدأ اليوم الانتخابات السودانية الرئاسية والعامة، ولمدة ثلاثة أيام، وسط مقاطعة أحزاب المعارضة الرئيسة، وتشكيك الدول الغربية بنزاهتها. وكان الاتحاد الأوربي سحب جميع مراقبيه بسبب مخاوف على سلامتهم وفرض قيود على عملهم في بعض المناطق، لكن موقف الأوربيين لم يمنع مؤسسة كارتر الأميركية من الاستمرار، فضلاً عن الاتحاد الأفريقي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وجامعة الدول العربية، واليابان، وجماعات من مصر وبعض الدول الأخرى. إذا كانت تجربة السودان السياسية من القصور إلى درجة أنها لا تستطيع ممارسة الديموقراطية بنفسها، فلن يكون السودان ديموقراطياً بتدخل الآخرين، و على هذا النحو الذي يثير الشفقة والسخرية في آن، فضلاً عن أن هذا الحشد من المراقبين الدوليين لم يسعف إجراء هذه الانتخابات بالحد الأدنى من النزاهة والعدالة والموضوعية، أو يحسن صورتها، حتى أصبحت مراقبة بعض المؤسسات الغربية للانتخابات في السودان وغيره من دول المنطقة، تسويغاً لاستمرار بعض الأنظمة العربية في تفريغ هذه العملية من مضمونها وأهدافها، وتقديم شهادة زور لهذا العبث السياسي، وتكريسه بطريقة تهدد هذه الدول بمستقبل سياسي مفزع. لا شك في ان خطورة هذه الحفلة، المشكوك في نزاهتها، ليست في تنفيذ الانتخابات، على رغم اختلال شروطها، ولا بشرعنة الديكتاتورية بشعارات الديموقراطية المغشوشة، والرقابة الغربية المزيفة، وانما في تهيئة المشهد السوداني لقبول إسقاط نظام البشير، أو التمرد علية بالقوة، وصولاً الى خلق مناخ سياسي عنيف، يفضي بدوره الى جعل تقسيم السودان مخرجاً من الأزمة التي ربما يعيشها هذا البلد إذا سارت الأمور على النحو الذي يجري الآن. الأكيد ان حفلات الديموقراطية التي تجري في المنطقة أصبحت وسيلة للتدخل الغربي في شؤون الدول، ناهيك عن ان مراقبة بعض المؤسسات الغربية للعملية الانتخابية في الدول العربية لم تمنع حكومات الغرب من رفض نتائجها إذا جاءت بأحزاب أو تيارات على غير ما تريد هذه الحكومات، مثلما حدث في الأراضي الفلسطينية، والتي حظيت بتأييد ومباركة من مؤسسة كارتر، ولهذا فان مشاركة المؤسسات الغربية في دول المنطقة مجرد غطاء كاذب، وهو في السودان تجاوز الكذب والتزييف الى ما هو أخطر، فعبارات الطمأنة التي سمعناها من الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر هي مجرد مخدر موقت لمستقبل موحش ينتظر السودان بعد هذه الانتخابات التي ربما تصبح الأخيرة في السودان الموحد.