قالت مصادر الفريق المسيحي المعارض لمبادرة زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري دعم ترشيح رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، إنه من المبكر طرح مرشح بديل للأخير، إزاء مطالبة العديد من السفراء الأجانب والعرب والبطريركية المارونية بألا يكتفي هذا الفريق المسيحي بالاعتراض على فرنجية، وأن يقترح اسماً بديلاً، لإنقاذ البلد من الشغور الرئاسي الذي ينذر بمزيد من الشلل والتعطيل في المؤسسات ينعكس مزيداً من التدهور الاقتصادي والمعيشي. وعلمت «الحياة» أن الحريري نفسه انضم الى مطالبة المعترضين على فرنجية بطرح البديل إذا كانوا سيبقون على رفضهم لرئيس «المردة»، بموازاة تأكيده أنه ماضٍ بمبادرته دعم ترشيحه، وفق ما أكد في اتصاله الهاتفي مع الأخير. وذكرت مصادر مطلعة أنه خلال النقاش المطوّل الذي جرى بين الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع السبت الماضي، طرح الأول على الثاني السؤال عما هو البديل الذي يراه لترشيح فرنجية. وفي المقابل، أوضحت أوساط الفريق المسيحي المعارض لدعم فرنجية، أنه حتى الآن حصل تقاطع مصالح بين زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في رفض ترشيح فرنجية، كل لسببه، وهو تقاطع حاصل أيضاً مع «الكتائب» الذي يصر على مشروع المرشح للرئاسة وبرنامجه. إلا أن هذا التقاطع يحصل من مواقع مختلفة لكل من الفرقاء المسيحيين الثلاثة، بحيث يصعب عليهم التوافق على اسم بديل لفرنجية طالما أن عون رفض الأخير لإصراره على الاستمرار في الترشح من جهة، وطالما أن «حزب الله» يرفض فرنجية من باب تمسكه بعون من جهة ثانية، فكيف سيقبل بطرح المرشح البديل من خارج الأقطاب الأربعة الموارنة؟ بل إن المصادر نفسها تطرح حجة ثالثة فتسأل: ما نفع أن نطرح اسماً بديلاً إذا عاد «حزب الله» فقال لنا إن في جيب فريقه موافقة من «المستقبل» على فرنجية، فنعود الى خيار رئيس «المردة»، في وقت الحريري نفسه ما زال يؤكد أنه مستمر على خياره على رغم التعثر في إنجاز التسوية التي توصل إليها معه؟ معركة على غير الرئاسة ولا يخفي بعض المطلعين على موقف «القوات» من الفريق المسيحي المعترض على فرنجية، أن جعجع يمكن أن يكون في حسابه أن يطرح اسماً بديلاً لفرنجية، وأنه قد يلجأ الى اقتراح هذا الخيار في الاتصالات المكثفة الجارية بينه وبين العماد عون والتي تتسم «بالتناسق الكامل» في الموقف من خيار فرنجية، فجعجع كان فتح الباب على هذا الخيار وأسقط حصرية الترشيح من الأقطاب الأربعة حين بادر صيف 2014 في مقابلة تلفزيونية، إلى إبداء الاستعداد للقبول بمرشح تسوية غيره وغير عون، ليأتي رئيس توافقي من غير فريقي 8 و14 آذار... إلا أن طرح هذا الخيار الآن لم يحن وقته بعد «وكل شيء في وقته». وفي انتظار هذا «الوقت»، فإن البحث يبقى مفتوحاً بالنسبة الى حزب «القوات» الذي يعتمد في موقفه العلني صيغة أن لا فيتو لديه على أحد وأن البحث هو في مشروع الحكم عند المرشحين للرئاسة بمن فيهم فرنجية (وهي الصيغة ذاتها عند حزب الكتائب)، كما أن القوات والكتائب وقوى 14 آذار تفضل في المرحلة الانتظارية التي أعقبت تفاعلات مبادرة الحريري، الاهتمام بحماية وحدة قوى 14 آذار، وهذا محور مكالمة الحريري مع جعجع، في مواجهة موقف من 8 آذار و «حزب الله» الذي تلقف المبادرة ولم يقبل بها، تمهيداً لخوض معركة أخرى غير الرئاسة، تبدأ بشكل الحكومة ورئاستها والتوجهات السياسية في العهد المقبل حيال سورية وإيران والحزب... إلخ. وتلخص مصادر الفريق المسيحي الرافض لخيار فرنجية، أهدافَ الحزب بالقول إنه سيسعى الى وضع برنامج الحكم المقبل لفرضه على خصومه وعلى فرنجية إذا بات رئيساً. وهذا الفارق بين عون الذي يراعي المبادئ الرئيسة في العلاقة مع الحزب لكنه يحتفظ بهامش حركة قياساً الى فرنجية. وفي اعتقاد مصادر وزارية وسياسية، أنه سيتم ملء الوقت الذي يلي تعثر المبادرة، بتأكيد الحريري على استمرار التزامه بها، وبإصرار القوى الخارجية التي ساندتها على طرح البديل، وبمواصلة معارضيها حركة المشاورات بينهم لتقطيع الوقت الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، إلا أن بعض الأوساط ينقل عن فرنجية مراهنته على أن خيار اعتماده للرئاسة سيبقى قائماً وأنه قد يمر شهر أو شهران أو أكثر ليقتنع العماد عون بأن ترشيحه غير قابل للنجاح لتتم إعادة إحياء التسوية التي صاغها مع الحريري والمدعومة من عدد من الدول. «حسابات ناقصة» ويقول سياسيون ومراقبون قاربوا بحذر مشروع التسوية على رئاسة فرنجية، إن «حزب الله» الذي رفض حليفه الثاني للرئاسة، لم يفعل ذلك لكي يقبل بمرشح تسوية بديل له ولعون، بل إن ما حصل هو تكريس المبدأ الأساس بأنه لم يحن الوقت بعد لانتخاب رئيس في لبنان، بالعلاقة مع الظروف الإقليمية والمحلية، وأن كل ما قيل عن نضوج الظروف الدولية والإقليمية والداخلية لملء الفراغ كان مجرد اجتهادات وحسابات ناقصة هي وراء تعثر مبادرة الحريري. حتى أن بعض هؤلاء السياسيين الحذرين يتداول معلومات مفادها أن قوى في 8 آذار دعت «حزب الله» الى القبول بتنازل الحريري وترشيحه فرنجية وانتخابه، ومن ثم تأخير تأليف الحكومة الجديدة المقبلة، سواء برئاسة الحريري أو غيره بالتناغم مع مقتضيات الظرف الإقليمي، ومسار الأزمة السورية أو غيرها... لكن قيادة الحزب رفضت هذه الفكرة. وهو ما يعزز الاستنتاج أن الحزب لا يرى التوقيت مناسباً لإنهاء الفراغ. وتدل على ذلك مطالبته فرنجية بالتروي والتريث. وثمة من يعتبر أنه يحتفظ لنفسه بتوقيت إنهاء الفراغ بالتناغم مع احتمالات تقدم الحوار السعودي- الإيراني الذي شهد محاولة أولى في فيينا الشهر الماضي. إلا أن بعض الذين واكبوا طبخة اعتماد خيار فرنجية يتساءل إذا كانت طهران التي تقف وراء «أسر» الرئاسة اللبنانية، ستبيع الإفراج عنها للسعودية أم لاتصالاتها مع الجانب الأميركي؟ وعلى رغم تأخير ملء الشغور الرئاسي، واعتقاد البعض أن محبذي خيار فرنجية استعجلوا تأييد مبادرة الحريري والتفاؤل بها، فإن مصادر واكبت العراقيل التي صادفتها، تعتبر أن هناك حالة من الربح لفريقي المعادلة اللبنانية الأساسيين، وأنه مثلما كانت التسوية ستفضي الى ربح - ربح (win-win deal) بحصول «حزب الله» و8 آذار على رئيس من صفوف الحلفاء وتمكن الحريري بمبادرته من ملء الفراغ والعودة الى رئاسة الحكومة، فإن التعثر في تطبيقها ينطوي على المعادلة نفسها أيضاً. مرشحان في الجيب وإذ يصف حتى الذين تعاطوا بحذر مع مبادرة الحريري، بأنها كانت خطوة جبارة في جرأتها، إذ أثبت حرصه على إنهاء الشغور وجديته في الإقدام على تسوية مع خصومه من موقع رجل الدولة، فأسقطت جديته ما روجته أوساط الحزب عن أنه يناور. كما كرّس قدرته على اتخاذ المبادرات لإخراج لبنان من التأزم في مفاصله الحرجة، بدءاً من مبادرته القبول بالاشتراك مع الحزب في الحكومة من على باب المحكمة الدولية، مروراً بدعوته «حزب الله» الى الحوار القائم الآن بينهما، انتهاء بالصيغة التي اقترحها لعقد الجلسة التشريعية الشهر الماضي. وفي مبادرته حول خيار فرنجية نقل المشكلة الى صفوف خصومه ووضعهم أمام تحدي إنهاء تعطيل البلد ومؤسساته، كما أنه استعاد الحرص على وحدة فريقه. أما ما ربحه «حزب الله»، فهو إضافة الى أنه استطاع حصر المرشحين للرئاسة بفريقه وبين حليفين له، حيث بات يحتفظ بترشيح عون في جيب وترشيح فرنجية في الجيب الثانية، بعدما أدى تشدده في شروط إنهاء الشغور الى تسليم خصومه بمطلبه الرئاسي، كما أن الحزب بإمكانه الآن التفاوض على رئاسة الحكومة ووضع الشروط على تبوء الحريري لها، فضلاً عن قانون الانتخاب، فيما جلس يتفرج على التناقضات التي نشأت بين قوى 14 آذار نتيجة مبادرة الحريري، وعاد فعمل على تمتين علاقته مع العماد عون إثر شكوك الأخير بأن الحزب تخلى عنه نتيجة المعلومات عن أنه دعم حوار فرنجية مع الحريري.