قالت مصادر سياسية مواكبة للمبادرة التي أطلقها زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري لملء الفراغ الرئاسي في لبنان عبر دعمه ترشيح زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، إن هذه المبادرة جدية وما زالت قائمة أكثر من أي وقت مضى، وأن لا صحة لما يشيعه البعض من أنه يدرس سحبها من التداول أو التراجع عنها. وقالت المصادر نفسها أن من يرفض هذه المبادرة، عليه أن يطرح البديل لأن من غير الجائز استمرار الفراغ في سدة الرئاسة الى ما لا نهاية بعد أن مضى على شغورها أكثر من عام ونصف العام؟ ورأت بأن «الفراغ القاتل» لن يكون البديل خصوصاً أن أكلافه سياسياً واقتصادياً ومالياً أصبحت باهظة وليس في وسع من يروّج له أن يؤمن تغطية هذه الأكلاف. واعتبرت المصادر عينها أن لا جدوى من الالتفاف السلبي على مبادرة الحريري بذريعة الرهان على حصول تطورات في المنطقة يمكن أن تدفع في اتجاه إتاحة الفرصة لهذا الطرف أو ذاك لتحسين شروطه في التسوية وأن مثل هذا الرهان يستدعي الصمود ومقاومة الضغوط وعدم الاستسسلام للأمر الواقع. ولفتت الى أن كثيرين من الأطراف سيضطرون الى إعادة النظر في موقفهم أكانوا من الرافضين لهذه المبادرة أو المتحفظين عليها، ما أن يشعروا بأنها جدية وأن البديل عنها بالمعنى السلبي المزيد من الفوضى والفلتان وأن من أطلقها لا يتوخى منها المناورة وإلا لما تجرأ على طرحها داعماً ترشيح واحد من أبرز خصومه السياسيين. فرنجية ماضٍ في خياره وإذ أكدت المصادر أن الحريري أحدث صدمة من خلال طرحه مبادرته يفترض التجاوب معها، أو طرح البديل منها، قالت في المقابل إن فرنجية ماضٍ في تحركه ولن يرضخ لسياسة «تهبيط الحيطان» التي تمارس عليه من حليفه رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون. وكشفت المصادر المواكبة أن مبادرة الحريري جاءت «مشغولة»، ولم يطرحها إلا لقناعته بأنها المخرج الوحيد لملء الشغور الرئاسي. واستغربت ما أشيع من قبل رافضيها وتحديداً العماد عون بأن لقاء باريس الذي جمع ما بين زعيمي «المستقبل» و «المردة» أدى الى توافقهما على صفقة سياسية شاملة تتوج بترشح فرنجية لرئاسة الجمهورية. وفي هذا السياق نفت المصادر كل ما قيل عن تفاهمهما المسبق حول قانون الانتخاب الجديد والتعيينات الأمنية والإدارية والتركيبة الوزارية، وقالت إن الهدف من تسريب مثل هذه الشائعة هو التحريض على اللقاء. ونقلت عن فرنجية قوله في لقاء باريس موجهاً كلامه الى الحريري: أنا من موقع سياسي على خلاف معك لكن أعتقد أن هناك مساحة واسعة يمكننا التلاقي فيها لمصلحة البلد. لكن عون أصر على أن يأخذ بهذه الشائعة على محمل الجد، خصوصاً أن اجتماعه مع فرنجية في حضور رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل لم يكن منتجاً، لأن «الجنرال» اكتفى بعد أن استمع من الألف الى الياء لمطالعة زعيم «المردة»، بالقول: أنا ما زلت مرشحاً لرئاسة الجمهورية. لقاء فرنجية - عون كما أن فرنجية صارح عون بقوله: أنا كنت مع ترشحك لرئاسة الجمهورية وما زلت أدعمك، لكن هل لديك خطة - ب - إذا ما تعذر انتخابك. لأن من غير الجائز أن لا يكون لديك تصور بديل. وفهم أن عون أصر على ترشحه ولم يتجاوب مع طلب فرنجية في سؤاله عن خطته البديلة لا سيما أن الأخير سأله عن موقفه من ترشحه كخيار ثانٍ. كما فهم بأن عون عاتب فرنجية على تفرده في ذهابه الى باريس من دون التنسيق معه أو إعلامه باجتماعه مع الحريري، وكان جواب الأخير له: أنت ذهبت الى باريس والتقيته ولم تعلمنا باللقاء. فرد الجنرال: عندما قررت التوجه الى باريس كنت أنا المرشح الوحيد عن «قوى 8 آذار». وهكذا انتهى لقاء عون - فرنجية كما بدأ لأن الأول - كما تقول المصادر - أقفل الباب أمام رغبة زعيم «المردة» في تبادل «غسل القلوب». ... ولقاء فرنجية - نصرالله بالنسبة الى لقاء أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله بفرنجية في أعقاب اجتماع الأخير بعون، أكدت المصادر المواكبة بأن كل ما سرب عن محضر اجتماعهما لا ينطوي على موقف سلبي من ترشح فرنجية، وعزت السبب الى أن الأول وإن شدد على أن عون هو مرشح الحزب أولاً، داعياً فرنجية الى التريث فإنه في المقابل لم يتفوه بكلمة يفهم منها أنه ضد ترشحه. واعتبرت المصادر بأن نصرالله في مصارحته لفرنجية لم يقل إن عون مرشحنا أولاً وأخيراً ونقطة على السطر، وبالتالي لم يكشف عن خياره الثاني مراعاة منه لحليفه عون وقالت إنه ترك للآخرين بأن يطرحوا ترشيح فرنجية. وتابعت: إن التحالف الوثيق بين «حزب الله» وعون قد يكون وراء إحجامه عن ترشيح فرنجية لئلا يعرض تحالفه معه الى اهتزاز من دون أن يصدر أي موقف عن الحزب يشتم منه بأنه ضد ترشحه. ودعت المصادر الى ترقب ما سيصدر عن فرنجية في حديثه الخميس المقبل مع الزميل مرسيل غانم في برنامجه «كلام الناس» على محطة «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، وقالت إنه سيضع النقاط على الحروف وسيؤكد ترشحه للرئاسة وهو لا يزال يواصل تحركه وكان التقى أول من أمس نادر الحريري مدير مكتب الرئيس الحريري ومستشاره النائب السابق غطاس خوري. ونصحت المصادر بعدم حرق المراحل والرهان على موقف حزب «الكتائب» والمستقلين في «14 آذار» من ترشح فرنجية وقالت إن إقحام هؤلاء في موقف سلبي من الأخير لا يعبّر عن الأجواء التي تتسم بها المشاورات الجارية بين حلفاء الحريري والتي يفترض مع الوقت أن تحمل معها تحولاً لمصلحة زعيم «المردة». وأكدت بأن «الكتائب» لا يعارض ترشح فرنجية ولا يضع «فيتو» عليه لكن من حقه أن يطرح هواجسه المشروعة للحصول على ضمانات وهذا ما يبحث الآن بين الطرفين. وقالت إن المواقف الإقليمية والدولية من ترشح فرنجية ليست سلبية وأن إصرار البعض على «ضبط النفس» والتريث في تحديد موقفه الإيجابي منه، والمقصود بهؤلاء أولاً النظام السوري وإيران و «حزب الله» يعود الى ترك الأخير يخوض معركة شراء الوقت مع عون لعله يتمكن من أن يستوعب موقفه الرافض بعد أن يقتنع من أن هناك أكثر من عقبة تحول دون انتخابه. وقد يكون «حزب الله» - كما تقول المصادر - أمام مهمة صعبة في إقناع عون بالتنحي لمصلحة فرنجية تماماً كمهمة الحريري لدى حليفه رئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع رغم الاتصال الذي جرى بينهما أول من أمس وهو الأول على الأقل في العلن بعد طرح الحريري لمبادرته السياسية. وعلمت «الحياة» أن جعجع بادر للإتصال بالحريري وقالت مصادر في «القوات» إن الاتصال كان ودياً رغم الاختلاف بينهما من ترشح فرنجية. لذلك يمكن القول إن هذا الاتصال يأتي بهدف تنظيم الاختلاف بين «القوات» و «المستقبل» وإدارته بعيداً من التوتر والسجالات التي جرت بينهما عبر مواقع التواصل الاجتماعي قبل أن يتدخلا لوقفه. إلا أن استمرار الاختلاف لا يمنعهما من التواصل سواء مباشرة أو عبر عدد من القياديين من الطرفين، علماً أن الحريري كان طرح مع جعجع عبر موفديه إمكانية البحث عن مرشح توافقي لأن البلد لم يعد يحتمل استمرار الفراغ القاتل الذي يدفع به الى حافة الهاوية وبالتالي يجب القيام بمبادرة إنقاذية قبل فوات الأوان. وعلمت «الحياة» بأن «المستقبل» كان طرح في السابق على جعجع لائحة بأسماء المرشحين للتوافق على أحدهم لأن هناك استحالة في بقاء البلد من دون رئيس لا سيما أنه أدى الى شلل الحكومة التي تعاني من عجز حتى في انعقاد مجلس الوزراء ومن تعطيل دور المجلس النيابي في التشريع. ومن الأسماء التي جرى التداول فيها: حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، قائد الجيش العماد جان قهوجي، سفير لبنان لدى الفاتيكان جورج خوري وجان عبيد. لكن جعجع رد بالرفض، لا سيما بالنسبة الى عبيد من دون أن يطرح البديل. وعليه فإن عامل الوقت يمكن أن يسمح بتعديل المواقف من ترشح فرنجية شرط أن يتمكن «حزب الله» من استيعاب حليفه عون، خصوصاً أن تذمر رئيس اللقاء النيابي الديموقراطي وليد جنبلاط من الذين أعاقوا توفير النجاح لمبادرة الحريري وصمت رئيس المجلس النيابي نبيه بري لا يعنيان أنهما في وارد تعديل موقفيهما من ترشحه، لأن زعيم «المستقبل» لم يتفرد في طرحه وإنما حرص على «طبخ الترشيح» بعيداً من الأضواء. وبالتالي فإن التأخير لا يعني أبداً أن المبادرة وضعت في البراد تمهيداً للبحث عن بدائل أخرى.