لم تخضع قوات الحشد الشعبي في العراق لضوابط قانونية في ما خصّ طريقة عملها وشروط الإنضمام اليها، فكان «من الطبيعي والحال كذلك أن ينخرط في صفوفها صغار السن»، كما يوضح الشيخ جواد الكناني، أحد قادة الحشد من فصيل «عصائب أهل الحق». الكناني،( 49 سنة)، كان أشرف شخصياً على تطويع المئات من المقاتلين من بينهم قصّر، وذلك في مكتب الحركة المسلحة التي ينتمي اليها في مدينة الصدر. يقول: «اقتصر دوري بدءاً على تسهيل التحاقهم بجبهات القتال من دون الإهتمام بتدريبهم وتجهيزهم، حتى أن بعضهم جلب سلاحه الشخصي معه لعدم توافر أسلحة». ويبرر الكناني قبول طلبات تجنيد من هم دون السن القانونية، بأن «البلاد كانت تعيش حالة من الفوضى، بعد انهيار الجيش وتخلي المجتمع الدولي عن دعم العراق في ظل حكومة نوري المالكي (رئيس الوزراء السابق) وتشتت الطبقة السياسية». ويضيف الرجل الذي كان من أوائل المستجيبين لفتوى الجهاد في مدينة الصدر، إن «التجنيد خضع لاعتبارات مرحلية فرضتها ظروف قاهرة»، لذلك جرى استقبال المتطوعين «عشوائياً» من دون التدقيق في أعمارهم. قوانين ترفض التجنيد لا يوجد نص قانوني أو تشريع استند إليه تشكيل الحشد الشعبي، إنما تعتبر فتوى الجهاد الكفائي هي الغطاء الأول لتشكيل الحشد بفصائله المختلفة. ويقول رياض جبارة البهادلي، وهو باحث في القانون الدولي من كربلاء، إن رئيس الوزراء حيدر العبادي حاول مرتين إخضاع الحشد لسلطة الدولة، لكنه فشل، الأولى من خلال مشروع قانون «الحرس الوطني» وهو مؤسسة أمنية رسمية من المفترض أن تضم المقاتلين غير النظاميين من الشيعة والسنّة لإبعاد سطوة قادة الفصائل وشيوخ العشائر، والثانية عندما قرر إخضاع الحشد لقانون العقوبات العسكري في 10 نيسان (ابريل) الماضي لكنه فشل ايضاً، وقانون العقوبات هذا يفترض أن يكون الخاضع له قد أتم الثامنة عشرة من العمر. وبالنسبة الى هذا الباحث، فإن قوات الحشد من خلال تجنيدها غير البالغين ترتكب «مخالفة صريحة» للقوانين العراقية فضلاً عن المواثيق الدولية. فقانون الخدمة والتقاعد العسكري رقم 3 لسنة 2010، يشترط في المتطوع أن لا يقل عمره عن 18 سنة، وكذلك يحصر قانون الخدمة العسكرية الإلزامية العراقي رقم 65 لسنة 1969، الخدمة بالذكور الذين أكملوا التاسعة عشرة من عمرهم. المواثيق الدولية بدورها لا تختلف في هذا الصدد عن روح القانون العراقي. فقد نصّ البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة رقم 182 لسنة 1999 على «حظر التجنيد القسري أو الإجباري للأطفال لاستخدامهم في المنازعات المسلحة»، محدداً سن الطفولة بمن هم دون ال 18 عاماً ما لم يرد خلاف ذلك في القوانين المحلية. متطوعون لا مكرهون مع ذلك، يعتقد الشيخ الكناني أن «لا مانع من استقبال المتطوعين الصغار السن طالما أن ذلك لا يندرج ضمن التجنيد القسري». ويضيف إن «هؤلاء المتطوعين راغبون في القتال ونحن لم نجبرهم على ذلك، فقد تطوّع العشرات منهم في مدينة الصدر في شهر حزيران (يونيو) من العام الماضي ومن دون إكراه أو ضغط». أحد الذين قدموا للتطوع، إلى مكتب الشيخ الكناني، كان عباس جمعة ذا ال 16 عاماً الذي انضم لاحقاً إلى مقاتلي «سرايا أنصار العقيدة» في الأنبار في تموز (يوليو) 2014. لم تكن المدينة سقطت بعد بيد تنظيم «داعش»، ما دفع الحكومة العراقية إلى الحرص على تعزيز صمود القطعات العسكرية فيها برفدها بمئات المتطوعين على جناح السرعة. عباس لم يمكث في الأنبار سوى يومين اثنين فقط، اذ اصطادته رصاصة قناص، فعاد في صندوق خشبي ملفوفٍ بالعلم العراقي إلى مقبرة «وادي السلام» في النجف. أخطر المعارك لم يحصل عباس على تدريب مناسب على السلاح، ولا التعامل مع هذا النوع من المعارك، وهو حال معظم المتطوعين الصغار السن كما تكشف تصريحات أسرهم. ففي أحسن الحالات، اكتفت الفصائل بإلحاقهم بدورات تدريبية سريعة، تلقوا فيها دروساً عن تفكيك وتركيب بندقية الكلاشينكوف عيار 7.62 ملم ودروساً في التسديد والرمي، والانتشار والاستتار أثناء المواجهات. العقيد المتقاعد أحمد عبدالحسين الذي شارك في حروب العراق المختلفة منذ مطلع سبعينات القرن الماضي، ويعمل حالياً مدرّباً في معسكرات الحشد الشعبي لتدريب الطلبة في ذي قار، يعترف بأن زجّ الصغار في الحرب أمرٌ «بالغ الخطورة، لأننا نخوض حرب عصابات ومعارك مدن، وهما من أخطر وأعقد انواع المعارك». لكن عبدالحسين نفسه يقوم بتدريب الصغار على السلاح. - لماذا؟ - «لأن ظروف الحرب الدائرة تقتضي ذلك»، يجيب. ثمة قائمة بأسماء 58 صبياً دون سن ال 18 سنة تلقوا تدريبات في معسكرات منطقة سوق الشيوخ حيث يدرّب عبدالحسين، منذ حزيران 2014، وقد لقي ما لا يقل عن 20 منهم مصرعه في مناطق القتال المختلفة ضد تنظيم «داعش». هذه التدريبات أجريت في ساحات خالية يرفض عبدالحسين نفسه بحكم خبرته العسكرية تسميتها «معسكرات»، لافتقادها الشروط المناسبة. ولا توجد إحصائية رسمية بعدد القتلى في صفوف الحشد الشعبي، كما لا تحبذ الفصائل المنضوية تحت لواء الحشد الحديث عن عدد القتلى. غير أن جواد الطائي (36 سنة)، ويعمل دفّانا في مقبرة النجف، التي تعتبر المقبرة الرئيسة للشيعة في العراق، قال إن المقبرة تستقبل بشكل يومي «شهداء من جبهات القتال وبمعدل 10 يومياً»، يزداد المعدل أحياناً حين تحتدم المعارك. وأوضح أن «العدد تجاوز ال 4000 منذ صدور الفتوى». ويتفق معه في التقدير الدفان عبد الأمير حسين أبو اصيبع. وهو بحكم عمله يؤكد أن واحداً من كل عشرة قتلى على الأقل هو من الأطفال أو المراهقين، مشيراً إلى أن العدد كان أكبر بكثير في الأشهر الخمسة الأولى التي تلت الفتوى بسبب حالة الفوضى التي كانت سائدة. الثأر أو العار فضلاً عن نقص التدريب، لم يتلق معظم مقاتلي الحشد الشعبي تسليحاً مناسباً يمكّنهم من مواجهة تنظيم «داعش». وبحسب مصادر، تم تزويد عناصر الحشد في بادئ الأمر بنادق كلاشنيكوف ورشاشات متوسطة نوع «بي كي سي» وقاذفات «آر بي جي7»، بينما كان «داعش» يمتلك رشاشات ثقيلة بمديات بعيدة كان لها الأثر في تكبيد الحشد الشعبي في بداية تشكيله خسائر جسيمة بالأرواح. بعض عناصر الحشد اشتروا أسلحتهم على نفقتهم الشخصية. ففي ناحية العزير، التابعة لمحافظة ميسان، جنوب العاصمة بغداد، تعيش أسرة لازم يحيى صعيجل، أحد مقاتلي فصيل «درع الشيعة»، والذي قتل في نيسان 2015 في ناحية العلم في محافظة صلاح الدين في معارك عنيفة خاضها الفصيل مع «داعش». تعتبر العزير من المناطق الريفية، وتقع على الضفة الغربية لنهر دجلة، يتوسطها ضريح النبي عزير، أو عزرا بن شريا، وسكّانها محكومون بأعراف عشائرية متينة. وغالباً ما تشهد هي والمناطق المحيطة بها صراعات مسلحة بين العشائر التي تملك أنواعاً مختلفة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة. بعد مقتل والده، التحق، الصبي عبدالله لازم صعيجل ( 15 سنة)، بفصيل «جند الإمام»، أحد فصائل الحشد الشعبي، لمقاتلة تنظيم «داعش». وهو يسعى «للثأر» بقتل أكبر عدد من عناصر «داعش» في الفلوجة التي تحاصرها القوات العراقية والحشد الشعبي. تلقى عبدالله، تدريباً لأيام على استخدام السلاح الخفيف لكنه يعتقد بعدم حاجته لذلك، كونه يملك في منزله بندقيتين نوع كلاشنيكوف ورشاشاً متوسطاً، ويجيد استخدامها جميعاً، كما يجيد استخدام مدفع الهاون عيار 60 ، والذي تتوافر أعداد منه في حوزة عشيرته تستخدمه أحياناً في النزاعات العشائرية. بصوتٍ يحاول تخشينه كالكبار، يقسم عبدالله بضريح العزير، بأنه سيقاتل ويقتل حتى يثأر لأبيه. ويقول: «قعودي سيجلب لي ولعشيرتي العار مدى الحياة». الإنتقاد مرفوض في حزيران الماضي، وخلال مشاركته في المؤتمر الدولي للحد من تجنيد «داعش» للأطفال، وقف رئيس الوزراء حيدر العبادي ليقول إن «هذا المؤتمر رسالة الى جميع دول العالم للإنتباه إلى خطورة ظاهرة تجنيد الاطفال». وتابع أن «الطفولة صفحة بيضاء لا يجب استغلالها بالقتل والذبح والتفجير». لكن العبادي لم يتطرق إلى تجنيد فصائل الحشد الشعبي - المعترف بها رسمياً من قبل حكومته - للأطفال، على رغم أن المخاطر التي يتعرض لها هؤلاء هنا أو هناك تكاد تكون واحدة، مع اختلاف طبيعة التجنيد وآلياته. الموقف الحكومي الرسمي من هذه الظاهرة يبقى الإنكار، وهو أيضاً الموقف الرسمي لفصائل الحشد الشعبي. إذ يقول كريم النوري، المتحدث باسم هذه الفصائل: «إننا لا نعاني نقصاً في عدد الرجال البالغين ولسنا ممن ينفذون عمليات انتحارية حتى نقوم بتجنيد الأطفال في صفوفنا». لكن النوري لم يستبعد قيام بعض القاصرين بالإنخراط في القتال «مستغلين الفوضى التي أعقبت سقوط الموصل» عادّاً ذلك «أمراً محدوداً جداً». بيرق الابراهيمي (اسم مستعار) مدير منظمة غير حكومية لحقوق الإنسان في النجف، يقول إن «الحكومة العراقية مطالبة بالتزام جانب الضوابط والقوانين المحلية والدولية التي تمنع تجنيد الاطفال». الإبراهيمي، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه خوفاً على أمنه، قال إن المنظمات المدنية في العراق تخشى من انتقاد الحشد، معتبراً ذلك «من الخطوط الحمر التي لا يجرؤ كثيرون على تجاوزها» بينما تعيش البلاد أوضاعاً متوترة وتسودها المشاعر المذهبية. الجهاد والدراسة يوضح الباحث محمد موسى الزيدي أن الفصائل غالباً ما تستغل عدم الوضوح في بعض التوجيهات التي تصدرها المرجعية الشيعية والتي درجت على تجنب الخوض في التفاصيل، «فهي مثلاً (المرجعية) لم تُحرّم تجنيد الأطفال، كما أنها لم تجزه، وقد وجدت التشكيلات المسلحة في ذلك مناخاً مناسباً لتجنيد الطلاب من دون مراعاة لشرط السن». على بعد 30 كيلومترا إلى الغرب من كربلاء، استقبل معسكر الرزازة في حزيران 2015 نحو 600 طالب مدرسة وجامعة ومعاهد متوسطة، على دفعتين شكلتا دورتين تدريبيتين. قبلها بعام تقريباً كان المعسكر ساحة مخصصة لتدريب فصائل الحشد على يد مدربين محترفين من لبنان وإيران. يقول أحمد عبد العباس( 17 سنة)، إنه قرر أن يلتحق باللواء التاسع (أبو الفضل العباس) في الحشد الشعبي المرابط في بيجي في محافظة صلاح الدين بعد أن أكمل الدورة التدريبية في معسكر الرزازة. السبب المعلن لقرار أحمد، هو محاربة «داعش» الذي يعتبره عدواً يشكل خطراً على مدينته كربلاء ومراقدها المقدّسة. لكن هذا لا يمنع من وجود أسباب أخرى تتعلق بعدم تفوقه في الدراسة، ومعاناة أسرته الناجمة عن الفقر. فالأسرة تسكن في منزل بسيط في أحد الاحياء العشوائية في منطقة حي النصر إلى الجنوب من كربلاء، ويعتبر الراتب الذي يتقاضاه عناصر الحشد الشعبي وقدره 750 الف دينار (حوالى 570 دولاراً أميركياً) مهماً جداً لإعالتها. ويتابع أحمد «الجهاد قبل الدراسة، فهو يكسبني رضا الله ورضا والديّ». امتيازات خاصة يتمتع عناصر الحشد بامتيازات أخرى فضلاً عن الرواتب، إذ قامت بعض الحكومات المحلية بتوزيع قطع أراض سكنية ومبالغ مالية على الجرحى منهم وعلى ذوي القتلى. ففي أيار (مايو) الماضي وزع مجلس محافظة كربلاء عشرة ملايين دينار عراقي (نحو 8 آلاف دولار أميركي) على أسر القتلى من الحشد، وخمسة ملايين لأسرة كل جريح. ويعتمد حجم الامتيازات وسرعة الحصول عليها على مدى نفوذ الفصيل المسلح وقربه من الأحزاب الشيعية المتنفذة، وعلى مدى حصول الفصيل على دعم خارجي. فارس صباح حسّان ( 15 سنة)، إبن لموظف في مديرية تربية ذي قار، يسكن مع أسرته المكونة من ثمانية أشخاص في منزل متواضع في قضاء سوق الشيوخ، يقول إن راتب والده لا يكفي لسد حاجات أسرته، ما حمل الأخير على إرساله هو وشقيقه حسن ( 17عاماً) للتطوع في «فوج ذو الفقار» إلى جانب عمّهما الضابط في الفوج. يقول فارس الذي قابلناه مرتدياً البزة العسكرية ونظارة شمسية تخفي ملامح وجهه الطفولي: «في البداية لم أكن راغباً في التطوع وأردت فقط مساعدة والدي، لكنني اليوم فخور جداً وأحمد الله، فالجميع ينظر لي باحترام وتقدير وأصدقائي يعاملونني كما لو كنت أكبر منهم سنّاً». وكما هي الحال مع هذا الصبي، فإن الحاجة للمال وللتقدير الاجتماعي هما العاملان الأبرز اللذان يدفعان المراهقين للتطوع بحسب الباحث الزيدي. ويوضح الباحث العراقي أن العوز والفقر في محافظاتالعراقالجنوبية وهوامش بغداد يدفعان مئات الصغار والمراهقين للحصول على وظيفة، «وهؤلاء تتمكن الفصائل الشيعية الموالية لإيران على الأغلب من جذبهم، لأنها تتمتع بالنفوذ المالي وتمنح رواتب مستمرة، في حين تنقطع الرواتب لأشهر عن التيارات الأخرى المدعومة من الأحزاب التقليدية والمرجعية». لكن أيّاً كان الفصيل ومهما كانت خلفيته السياسية يبقى المركز الاجتماعي دافعاً أساسياً لاستقطاب المقاتلين، «وهو ما يفسر بقاءهم في صفوف الحشد على رغم انقطاع رواتبهم أحياناً لثلاثة او أربعة أشهر متواصلة، فضلا عن ايمانهم بقدسية ما يقومون به» يقول الزيدي. لا يستحقون النجاح العديد من صغار السن تركوا مقاعد الدراسة واختاروا أن يكونوا في صفوف الحشد الشعبي. مرتضى قاسم ( 16 سنة)، كان واحداً منهم، فقد تطوع بعد أيام من فتوى الجهاد الكفائي، وانخرط سريعاً في المعارك، قبل ان يقتل في إحداها غرب العراق. آخرون غيره التحقوا بالحشد ولم يؤدوا الامتحانات، مع أن وزارة التربية مكّنتهم لاحقاً من أدائها، فقد فضلوا الاستمرار في القتال على الدراسة، وهي حالة لم تؤثر على المستقبل التعليمي للمتطوعين فقط، بل انعكست على مجمل العملية التعليمية. وزير التربية محمد اقبال، أعلن في بيان صحافي في نيسان الماضي عن أن «الوزارة قررت أن تكون الامتحانات للتلاميذ والطلبة النازحين والحشد الشعبي والمحتجزين غير المنتظمين بالدراسة في الدور الثاني، على أن يعد لهم دور أول»، وفي هذا اشارة الى حجم الارباك الذي لحق بقطاع التعليم بسبب الحرب. اضافة الى الارباك، برز تراجع واضح في الاهتمام بالدراسة، وتساهل في النجاح، بحسب المدرّس عباس جواد، الذي يعمل ضمن الكوادر التدريسية في تربية كربلاء، «معظم الطلبة ممن التحقوا بالحشد حصلوا على النجاح بمساعدة مدرسيهم، وهم في الواقع لا يستحقون النجاح». جواد، نبّه الى تراجع نسب النجاح هذا العام في محافظته، بسبب تداعيات الحرب والتحاق الطلبة بالحشد، فكربلاء حلت في المرتبة 11 من حيث نسب النجاح في العام الدراسي 2014-2015 للفرع العلمي، وبالمرتبة الثامنة للفرع الأدبي، بعد أن كانت تتصدر المراكز المتقدمة في السنوات الماضية. البحث عن التنظيم على رغم التأييد المستتر لها من قبل بعض الفصائل المسلحة، والسكوت الاعلامي عنها، تظل حالات التحاق اليافعين بصفوف الحشد الشعبي، مثيرة لقلق الباحثين الذين يحذرون من نتائجها. يشير رائد الوائلي، مدير قسم الموارد البشرية، في منظمة «أهداف»، إلى حالات لتجنيد الأطفال تمّت احياناً حتى من دون معرفة ذويهم، كما حدث مع عباس الخفاجي ( 17 سنة)، في كربلاء، إذ لم يعرف أهله أنه كان في الحشد الشعبي إلا بعد أن تلقوا جثته، وكان يبرر غيابه عن المنزل بالعمل في مطعم في العاصمة بغداد. ويلفت الوائلي من خلال متابعته إلى أن الفصائل وبعض قنوات التلفزيون التابعة لها صارت في الآونة الأخيرة تغيّر من مواليد المقاتلين الصغار السن عند عرضهم على شاشات التلفزة وقنوات التواصل الاجتماعي تجنّباً للانتقادات. ويضرب مثلاً بأحد الأولاد الضحايا من مدينة كربلاء، كان عمره 16 سنة عندما قتل، فنعاه الفصيل الذي جنّده عبر موقع «اليوتيوب» بعد أن رفع سنّه إلى 19. ويؤكد دكتور الطب النفسي، عامر الجبوري، أن لمشاركة الصغار في الحرب تداعيات خطيرة على سلوكهم ونشأتهم الاجتماعية، قد تدفعهم لامتهان القتل مستقبلاً. ويشير إلى أن الفصائل المسلحة في مختلف الدول التي تشهد نزاعات تستقطب أطفالاً فقدوا آباءهم أو ذويهم مستغلة نزعة الانتقام لديهم. ويتابع أن «هذه الفصائل تدرك أن الصغار لم يختبروا المواقف السياسية والمذهبية بعد، وأنهم أسهل للاقناع، وأن الجيل الجديد من الصغار والمراهقين يكون أكثر تشدداً وكرهاً للجانب الآخر من الجيل الأكبر سناً». ومهما كانت الدوافع، وفي ظل سيادة مشاعر الحرب، ستظل فرصة وقف هذا النزيف بعيدة المنال، وستظل إعادة من يقاتل منهم إلى ساحات اللعب ومقاعد الدراسة امراً مستبعداً مع استمرار الحرب وارتفاع عدد ضحاياها وتهديدها كل يوم مناطق جديدة. - مراهقون في صفوف "الحشد الشعبي" في العراق (1 من 2) * أُنجز هذا التحقيق بدعم من شبكة الصحافة الاستقصائية العراقية (نيريج) وتحت إشراف كمي الملحم.