في منتصف تسعينات القرن العشرين، استقبلت أوروبا حوالى مليون لاجئ من البلقان، في ذروة تفكّك يوغوسلافيا وصعود قوميات شوفينية، ونجحت في دمجهم. وخلال الأزمة المالية في القارة قبل سنوات، أقدم مواطنون في دولٍ من جنوب أوروبا وشرقها على الهجرة الى دول شمالها وغربها، بحثاً عن عمل. كما أن الحرب العالمية الثانية شهدت فرار أوروبيين من أراضيهم الى دولٍ احتضنتهم. وحين كانت الدبابات السوفياتية تسحق انتفاضة هنغاريا عام 1956، فرّ مئات الآلاف من السكان الى دول مجاورة. لكن رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان، يتزعّم حملة في الاتحاد الأوروبي لرفض استقبال لاجئين يتدفقون من الشرق الأوسط الى القارة، خصوصاً من سورية المنكوبة. وإذا كان حملُ أكثر من 800 ألف مهاجر، ثقيلاً على أوروبا، فإن مآسي الشرق الأوسط تستحضر ما شهدته الأخيرة خلال الحرب العالمية الثانية، وأثناء نزاعات وحقبات دموية، من «طوفان» للاجئين معدمين. كتب أندراس سيمونيي في موقع «هافنغتون بوست»، أن «الأزمة أبرزت أن المرحلة الانتقالية لم تكتمل لدى الأعضاء الجدد (في الاتحاد الأوروبي) شرقاً، حيث المؤسسات الديموقراطية ضعيفة، وحيث تهيمن ردود فعل قديمة، وحيث القومية تعمي الأبصار، وحيث باسم «المسيحية»، تُتخذ القرارات الأكثر نأياً عن المسيحية». وكما في أوروبا كذلك في الولاياتالمتحدة، حيث وصف بعضهم المهاجرين بأنهم «كلاب مسعورة»، وسط سجال محموم في شأن استقبال اللاجئين السوريين، أجّجته مجزرة باريس التي أثارت مخاوف من تسلّل إرهابيين بينهم، علماً أن حوالى 86 ألف سوري هاجروا الى الولاياتالمتحدة عام 2014. في تموز (يوليو) 1938، سألت مجلة «فورتشن» الأميركية قراءها عن موقفهم من «السماح لألمان ونمسويين ولاجئين سياسيين آخرين، بالمجيء الى الولاياتالمتحدة». ثلثا القراء أجابوا سلباً. ما لم يذكره سؤال المجلة، هو أن معظم أولئك اللاجئين هم من اليهود الذين يلاحقهم النازيون، والذين اعتبرهم ساسة ووسائل إعلام «غرباء»، بحجة أنهم يشكّلون خطراً على الوحدة «العرقية» و «الاجتماعية» للولايات المتحدة. تردُّد واشنطن في استقبال اليهود، قبل الحرب العالمية الثانية وخلالها، كان بين ضحاياه آن فرانك، إذ رُفض طلب عائلتها، الحصول على تأشيرة لدخول الولاياتالمتحدة، وتوفيت الفتاة في معسكر اعتقال نازي وعمرها 15 سنة. ويذكّر بعضهم بأن الولاياتالمتحدة، وهي أمّة مهاجرين، استقبلت 200 ألف هنغاري بعد سحق انتفاضة 1956، وحوالى 650 ألف كوبي، وعدداً ضخماً من الفيتناميين، ناهيك باستقبالها لاجئين إيرانيين فارين من نظام «الجمهورية الإسلامية»، في موجات ضمّت طلاباً وأطباء ومهندسين. وتُعِد الجالية الإيرانية في الولاياتالمتحدة أكثر من مليون شخص، علماً أن أكثر من 10 آلاف إيراني يصلون سنوياً الى البلاد في القرن الحادي والعشرين.