عكست الصحراء تأثيرها في الإنسان السعودي في قلب الجزيرة العربية، فأخذ منها صفات عدة، إذ علّمته كثبانها الصبر والجلد، وأمدته كائناتها بالعزيمة المتوقدة وعدم اليأس، وعلى رغم ضراوة نهار الصحراء وشدته، إلا أن ليلها كان له رونقه الخاص، كأنه أم حانية على ذلك الإنسان، الذي يظل ما يقارب ال12 ساعة تحت وقع سيف الشمس الحاد. وانقسم سكان وسط الجزيرة العربية إلى بدو رحل وقرويين مستوطنين، وكانت لكل منهما طبيعة عيشه الخاص، ففرضت الإقامة الموقتة والترحال على البدوي لوناً معيشياً خاصاً، في حين كان القروي المستوطن ينعم بحياة أفضل من تلك التي يعيشها أخوه في الصحراء، ومن هنا انطلقت رؤية الملك المؤسس في إنشاء الهجر وتوطين البدو، لينعموا بحياة أقل ضراوة بعيداً عن وحشية الصحراء وجبروتها. واُختلف في تاريخ إنشاء أول هجرة، ولكن الراجح أنها «الأرطاوية» التي تأسست عام 1912، وهو ما يؤيّده الرحالة الدنماركي رونكيير، الذي مر بآبارها ووصفها وصفاً دقيقاً، ولم تشكّل نسبة الحضر قبل توحيد المملكة سوى 10 في المئة، في حين شكّل البدو نحو 65 في المئة من إجمالي سكان المملكة. وعن البيت النجدي بعد مرحلة إنشاء الهجر واستيطان البدو، يذكر العم أبو شجاع أن لذلك البيت طبيعة خاصة تفرضها عادات وتقاليد أهل المنطقة. وقال: «في صدر أغلب البيوت، كان يوجد المجلس أو ما يسمى بالقهوة، وهو عبارة عن غرفة كبيرة تكون في المقدمة لخروج الدخان الصادر من إيقاد الحطب، وله بابان أحدهما على البيت، والآخر على الخارج، ويسمى باب القهوة»، مشيراً إلى أن المجالس تتمايز بحسب المستوى المعيشي لصاحب البيت، فكانت مجالس الأثرياء تتميز بالنقوش الجميلة والزخارف المبتكرة، ويتولى مهمة إعداد النقوش «الاستاد» الذي يعتمد في مهمته على «الجص» و«الفرجار الخشبي» و«الخيط» و«الأزاميل المشكلة». وأضاف: «بعد اكتمال بناء المجلس، يقوم الاستاد بوضع تاريخ الانتهاء من بناء المجلس، وفي بعض الأحيان يكتب لفظ الجلالة والصلاة على النبي، كما يكتب في بعض الأوقات عبارات تدل على كرم صاحب المجلس والضيافة». وبعد أن كان الصيد وتربية الماشية والترحال بحثاً عن الماء هي حال الإنسان في قلب الجزيرة العربية وشمالها، أصبحت الزراعة جزءاً أساسياً من حياة ذلك الإنسان الذي تحول من حياة البدو إلى القرية، قبل أن يتحول لاحقاً إلى الحياة المدنية العصرية.