تتنافس الأيدي في الوصول إلى الألوان الجميلة من «البلوزات» الشتوية والملابس الثقيلة الحجم، فيما يعلو صوت البائع على أصوات ضجيج السوق وهو ينادي بين حين وآخر «القطعة بثلاثة آلاف دينار يا بلاش»، قبل أن يدفع بقطعتين أو ثلاث في كيس بلاستيك كبير، ويسلّمها إلى الزبون بعد قبض ثمنها. معظم باعة سوق البالة المجاورين للشاب اليافع اتبعوا طريقة أخرى للإعلان عن بضاعتهم وثمنها، إذ سجلوا أصواتهم لبثها عبر مكبررات للصوت وضعوها فوق الملابس والشراشف والأغطية المنثورة أمامهم. وهذه الطريقة وفرت عليهم جهداً كبيراً وجعلتهم أكثر تفاعلاً مع الزبائن الذين كانوا ينتقون البضاعة بدقة. لكن، يبدو أنها لم تعجب بعض المارة الذين كانوا يغادرون بسرعة ويتوقفون عند محال أخرى. تجذب سوق البالة المئات يومياً في الشتاء لما يحتويه من بضائع مختلفة بأسعار تبدأ بألف دينار أي ما يعادل 0,80 دولار وتتدرّج صعوداً إلى دولارين وثلاثة حتى 10 دولارات. أما البضائع الأخرى مثل الشراشف والستائر والأغطية الشتوية، فتختلف أسعارها بحسب منشئها وجودتها وعمرها، فالقديم يباع بأسعار رخيصة جداً قياساً بالبضاعة التي لا تزال تحتفظ ببريق على رغم استخدامها لسنوات. وفي محل في سوق البالة الكبيرة في مدينة الكاظمية، جلست نساء يقلّبن مجموعة من المعاطف ثبّت صاحب المحل في وسطها لوحة كتب عليها «القطعة ب15 ألف دينار» أي ما يعادل 12 دولاراً. كانت إحداهن تتحدث همساً مع رفيقتها مشيرة إلى أنها «قبل يومين وجدت البضاعة ذاتها في حي الكرادة كان سعر المعطف 85 دولاراً ولم تكن بالجودة ذاتها». اختارت السيدتان ثلاثة معاطف مختلفة اللون والتصميم، ودفعتا للبائع ثمنها، وغادرتا بكيس كبير منفوخ مليء بالملابس التي اشترينها خلال جولتهن لساعات في سوق البالة. البائع الذي بدا منصتاً لهما علّق بعد مغادرتهما قائلاً: «أنا أعلم أن بضاعتي رخيصة الثمن، لكنني اقتنيتها بأقل مرتين من الثمن الذي عرضتها به، لأنني اشتريتها بالجملة وبعتها بالمفرّق، لذا لا أخسر شيئاً إذ بعت بضاعتي لأناس يعرفون قيمتها وربحت ضعفين». وتعدّ سوق البالة في مدينة الكاظمية من الأسواق الخمس الأبرز المختصة ببيع ملابس البالة، لكنها أكبرها حجماً وأكثرها تنوّعاً من حيث البضاعة، موفّرة للعائلات البغدادية على مدى ساعات طويلة من التجوال فيها تنوّعاً وخياراً واسعاً من ملابس وشراشف وأغطية وستائر وبضائع أخرى منزلية تنافس الجديد في جودتها. يقول سعد لازم، أحد المتبضعين، أنه يجد في سوق البالة بضائع من ماركات عالمية لا طاقة له على شراء الجديد منها بأسعار مرتفعة جداً. ويضيف: «هنا يمكنني الحصول على ملابس وأغراض منزلية تمتاز بالجودة والأسعار المناسبة مقارنة بالبضائع الصينية المقلّدة. لذا، لا أمانع في شرائها واستخدامها حتى لو استخدمها أحد قبلي، كما أن بعض الملابس والمفروشات جديدة وغير مستعملة، لكنها شحنت كبالة إلى العراق بعد انتهاء موضتها في بلدان أخرى». انقضى نصف النهار لكن أصوات الباعة لم تصمت. فالجولة الصباحية وإن انتهت، فستعقبها جولة مسائية لعائلات أخرى، لا سيما أن هذه السوق لا تقفل أبوابها قبل العاشرة مساء بسبب كثرة روادها والإقبال الكبير عليها في موسم الشتاء خصوصاً.