يجذب المارة صوت بائع ينادي أمام متجره الصغير للثياب المستعملة: «القطعة بمئة ليرة». يبدأ بحث الزبائن عن «الكنزات الصوفية». أحدهم يتفحص فوضى الملابس داخل المتجر عله يجد معطفاً شتوياً مناسباً له، علماً أن متاجر أخرى في سوق «الإطفائية» للبالة في دمشق تعتمد أسلوباً آخر لترويج بضائعها، المصنفة والمرتبة في شكل دقيق وفق أهمية الماركة العالمية ومواكبة قطعها للموضة، ليصل سعر أحد المعاطف الجلدية إلى نحو 250 دولاراً أميركياً. الأمر مماثل بالنسبة إلى الأحذية المستعملة، بعض الباعة قرر عرض ما لديه منها دفعة واحدة على الأرصفة، وعلى الزبون مهمة إيجاد الحذاء المناسب، وغالباً ما يخيب أمله عند إيجاده فردة حذاء واحدة جيدة، أما الأخرى ف «لا أحد يعرف مكانها»، ويجيب البائع على إلحاح الزبائن: «عليكم البحث». «البالة» لها زبائنها الذين لا تغريهم التخفيضات العالية في متاجر الألبسة الجديدة. وانتشرت أسواق الملابس المستعملة في سورية في شكل كبير خلال الأعوام الماضية. وعلى رغم الإقبال على شراء الملابس الجديدة في فترة الأعياد، فإن باعة «البالة» لا يتوانون بين حين وآخر عن عرض بضائعهم في أسواق تزدحم بمتاجر مرموقة، يرتادها المولعون بشراء الملابس الأوروبية الحديثة. «زبائننا من الأغنياء والفقراء ومن جميع أنماط البشر»، يقول صاحب أحد متاجر البالة أبو فادي (45 سنة) ل «الحياة»، متابعاً: «الخيارات متعددة، لمن يعرف بصيحات الموضة، ولمن لا يهمه أمر المصدر أيضاً، وما هو غال من الملابس الأوروبية في بلد تصنيعه يأتي إلينا بأسعار رخيصة». ويُرجع أبو فادي سبب ذلك إلى «الأزمة الاقتصادية العالمية وتدهور قوة الشراء»، بينما يستفيد «زبون البالة السوري»، بحسب ما يرى من هذه الأزمة «بتوافر أجود الملابس له». أما مصدر البضائع فهو من «أوروبا حصراً»، ويتضمن ذلك «الملابس الصينية التي تتوافر في سوق الملابس الأوروبية، وهي أفضل من مثيلتها الجديدة المستوردة إلى سورية». يدقق بعض الزبائن أثناء تجوالهم في متجر أبو فادي في أسماء «الماركات حتى لو كانت قطعة الملابس صغيرة»، وهم لا يحبذون أخذ الملابس المجهولة الهوية، وإن اضطروا فخفض السعر هو «الإغراء الوحيد» لهم. غالبية بضائع «البالة» في سوق «الإطفائية» مهربة من الدول المجاورة حيث تصل الأحذية والملابس في «حاويات كبيرة»، ومنها ما يخضع لنظام الجمارك عبر الاستيراد النظامي. وتقول سميرة (23 سنة) : «أطلب من بعض البائعين أن يحتفظوا بمقاسي من الثياب الحديثة لأنني أشتري في العادة من هنا، كل ما لا أستطيع شراءه من متاجر الألبسة الجديدة ذات الأسعار الباهظة». وتتباهى سميرة أمام أصدقائها ولا تكشف سر أناقتها، إذ تمكنت من شراء ثلاثة معاطف «بطاقات أسعارها لا تزال معلقة عليها»، بسعر لا يتجاوز 50 دولار أميركياً. وتضيف: «الإفصاح عن المتاجر التي أتبضع منها ثيابي أمر لا أرغب فيه، لأن الغالبية تنظر إلى سوق البالة على اعتبارها سوقاً لطبقات المجتمع الفقيرة». وتعتقد سميرة أن «الإفصاح عن مصدر ملابسها المميزة، مرتبط بزيادة رواج موضة الثياب المستعملة». ويبقى للبعض وجهة نظر خاصة في شراء ملابسه، «بعض السيدات ينتظرن وصول البضائع عبر الاتصال هاتفياً، ويكفي اتصال واحد أجريه مع زبونة، ليجعلها تأتي مع صديقاتها بكامل أناقتهن، للبحث عما يناسبهن».