وسط انقسام الحكومة الألمانية والرأي العام الألماني حول مدى مواصلة نهج فتح الباب أمام تدفق اللاجئين إلى ألمانيا أو غلقه، أجمع خبراء الاقتصاد الألمان مرة جديدة على أهمية العامل الاقتصادي لهذا التوافد من الخارج وعلى قدرة ألمانيا على تحمل كلفته. وذكرت أوساط مطلعة أن نحو 850 ألف لاجئ دخلوا إلى ألمانيا منذ آب (أغسطس) الماضي، مع توقع ارتفاع العدد إلى مليون حتى نهاية السنة. وقدّر خبراء في خمسة معاهد للبحوث الاقتصادية الألمانية في تقرير سنوي قدموه أول من أمس في برلين إلى المستشارة أنغيلا مركل، حجم الإنفاق الحكومي على اللاجئين ب «22 بليون يورو خلال العامين المقبلين». وأشاروا إلى أن خزينة الدولة «قادرة على تحمل هذه النفقات بفضل النمو الاقتصادي، والوضع الجيد للموازنة العامة الخالية من الديون». لكنهم اشترطوا «وضع استثناءات في مراقبة تنفيذ قانون الحد الأدنى للأجور الذي بدأ العمل به مطلع السنة، لتمكين اللاجئين من دخول سوق العمل بأجور متدنية». وحذروا الحكومة من «الاستمرار في إطالة عمليات تسجيل اللاجئين»، وطالبوها ب «إعطائهم حق الإقامة والعمل بسرعة، تفادياً لمزيد من الإنفاق الحكومي عليهم وعرقلة اندماجهم في العمل والمجتمع». واعتبروا أن مساعدة اللاجئين على الإنفاق على معيشتهم بأنفسهم «سيحرك الإستهلاك الداخلي أكثر ويزيد معدل النمو المتوقع في البلاد». وذكر خبراء المعاهد الخمسة أن «النمو الاقتصادي الجيد المتوقع هذه السنة سيبلغ 1.7 في المئة و 1.6 في المئة العام المقبل». ولم يستبعدوا أن «تصل نفقات الدولة على اللاجئين إلى 8.3 بليون يورو هذه السنة، وأن ترتفع العام المقبل إلى ما بين 9 بلايين يورو و 14.3 بليون». وأكدوا مجدداً «قدرة الدولة الألمانية على تحمل هذه الكلفة العالية»، ورأوا أن «اندماجاً ناجحاً للاجئين يتطلب بذل جهود كبيرة في مجالات التعليم العالي والتدريب المهني». وشدد هؤلاء على ضرورة «منع الفرقاء المعنيين من رفع الحد الأدنى لأجر الساعة الواحدة المحددة ب 8.5 يورو العام المقبل، بسبب عدم قدرة عدد كبير من اللاجئين على منافسة العاملين حالياً في ألمانيا من الناحية المهنية، وبالتالي لا يمكنهم إيجاد فرصة عمل بهذا الأجر إلا في سوق الأعمال الخدماتية الخفيفة والثانوية». لذا «سيكون عليهم القبول بأجر أقل للساعة الواحدة». ودعوا الحكومة إلى «ادخال هذه الفئة من اللاجئين إلى فئة العاطلين من العمل القدامى، لتمكينهم من الحصول على عقد عمل من أرباب العمل لمدة سنة». وأشاروا إلى أن «الهجرة الواسعة الحاصلة اليوم ستزيد الطلب على السكن، ما يتطلب من الهيئات والسلطات المعنية تقديم تسهيلات لجذب المستثمرين إلى الاستثمار في البناء السكني». وقدّر خبراء كثر «حاجة ألمانيا إلى 80 ألف مسكن جديد سنوياً لتأمين المأوى لجميع سكانها، ما يعني أن قطاع السكن سينمو خلال السنوات المقبلة». إلى ذلك، أعلن مراقبون أن «أحد الدوافع المهمة التي دفعت بحكومة مركل إلى استقبال الجزء الأكبر من اللاجئين، هو العمل على وقف الخلل المتزايد في الهرم السكاني الحاصل وبالتالي النقص في اليد العاملة، وهو ما ينبه إليه الخبراء منذ سنين. ووجد الإئتلاف الحكومي المسيحي - الاشتراكي الحالي في مئات آلاف اللاجئين فرصة سانحة لاستيعابهم وتأهيلهم وإدخالهم في سوق العمل. وأكدت دراسة للبنك الدولي أُعدّت في دول مثل الولاياتالمتحدة والدنمارك وتركيا ولبنان أخيراً، أن عامل الهجرة واللجوء إلى دول أخرى يساهم في قيام نمو اقتصادي فيها. وتعتقد المفوضية الأوروبية بحسب دراسة لها في بروكسيل، أن النمو الألماني سيستفيد سنوياً بنسبة إضافية من 0.7 في المئة حتى عام 2020. وسبقت الهيئات الاقتصادية الألمانية رجال السياسية في هذه النقطة بأشواط، إذ بدأت منذ مطلع السنة في الدعوة إلى فتح الباب أمام مزيد من اللاجئين. وأكدت مراراً أن اللاجئين لن يشكلوا عبئاً على الخزينة، وأن نفقات الدولة عليهم لن تذهب هباءً، بل ستكون نوعاً من الاستثمار الحكومي في السوق الداخلية. وانضمت وكالة العمل الاتحادية إلى اتحاد غرف الصناعة والتجارة الألمانية، الذي كان دعا قبل فترة المسؤولين إلى الاستفادة السريعة من اللاجئين المتخصصين علمياً ومهنياً.