تعد المملكة من أوائل الدول العربية السبع التي أسست جامعة الدول العربية قبل 70 عاماً مضت، انطلاقاً من إيمان الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - يرحمه الله - بأهمية دعم وحدة الصف العربي في مواجهة التحديات والمتغيرات التي مرت بها المنطقة العربية آنذاك، وما شهدته من منعطفات سياسية كبيرة أثرت على معظم الدول. وشهد اللقاء التاريخي الذي جمع الملك عبدالعزيز بملك مصر الملك فاروق - رحمهما الله – في 1945 بجبل رضوى شمال غربي المملكة دعم بنود إنشاء الجامعة. وبرز خلال اللقاء - بحسب وكالة الأنباء السعودية - توافق الرؤى بين الملك عبدالعزيز والملك فاروق تجاه إنشاء الجامعة العربية، وبدأت منه الخطوات الجدية نحو دخول المملكة لمنظومة الجامعة ودعمها بعد أن وافق الملك عبدالعزيز على بروتوكول الإسكندرية، ليتم الإعلان عن انضمام المملكة رسمياً إلى الجامعة في 1945 بحسب أستاذ التاريخ السياسي في جامعة القصيم الدكتور خليفة المسعود. وتشير الوثائق التاريخية التي تحتفظ بها «دارة الملك عبدالعزيز» إلى أن الملك المؤسس أكد في إحدى رسائله الخاصة بموضوع الجامعة أن «المملكة العربية السعودية تود أن ترى كلمة الدول العربية مجتمعة ومتفقة على مبادئ وأسس متينة من شأنها أن تهدي إلى ما تصبو إليه الأمة العربية جمعاء من دون النظر إلى جر مغنم لبعضها دون البعض، وأن يتم اتقاء المخاطر والحبائل التي تضر المصلحة العربية، وأن تكون الخطى معقولة ومضبوطة حتى لا تتعرض لما يعوق سيرها ويسد طريقها». ووفقاً لإحدى هذه الوثائق قدّمت المملكة رسالة إلى اللجان العربية التحضيرية التي اجتمعت في الإسكندرية 1944م لبحث تأسيس هذا الكيان، تضمنت عدداً من المبادئ هي «السعي إلى عقد حلف عربي يرمي إلى تضامن الدول العربية وتعاونها وسلامة كل منها، ويضمن حسن الجوار بينهم، وأن تحالف العرب وتكافلهم ليس موجهاً نحو غاية عدائية لأية أمة أو دولة أو جماعة من الدول، إنما هو أداة للدفاع عن النفس وإقرار السلم، وتأييد مبادئ العدل والحرية للجميع، فضلاً عن تسهيل المعاملات التي تعزز العلاقات بين الدول الأعضاء». وفي 16 من كانون الثاني (يناير) 1945 وقعت المملكة على ميثاق جامعة الدول العربية الذي عُرف باسم (بروتوكول الإسكندرية) ليتم في 22 آذار (مارس) من العام ذاته إقرار ميثاق الجامعة في صورته النهائية، وأدخلت عليه التعديلات القانونية التي روعي في غالبيتها المبادئ التي قدمتها المملكة في رسالتها لاجتماعات اللجان التحضيرية 1944. وأدلى الملك عبدالعزيز والملك فاروق - رحمهما الله - بتصريح مشترك حول الجامعة العربية نشر في صحيفة (المقطم) المصرية في 1946 جاء فيه: «إن من دواعي سرورنا العظيم أن يكون اجتماعنا في هذا المكان التاريخي في الدار الجديدة جامعة الدول العربية، تلك الجامعة التي كان من حظنا وحظ إخواننا ملوك العرب وأمرائهم ورؤسائهم أن يضعوا أسسها وأن يرعوها فيُقيموها على دعائم من التعاون والتكافل لخير العرب وخير البشر كافة، ويستجيبوا بذلك لرغبات الشعوب العربية وآمالها». وتضمّن ميثاق جامعة الدول العربية بيان الأهداف من وراء إنشائها، والمتمثلة في تثبيت العلاقات الوثيقة والروابط العديدة التي تعزز تلاحم الدول العربية، والحرص على دعمها وتوطيدها على أساس احترام استقلال تلك الدول وسيادتها، وتوجيهاً لجهودها إلى ما فيه خير البلاد العربية قاطبة. وأسهمت المملكة على مر عهود ملوكها - رحمهم الله - حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، في دعم أعمال الجامعة العربية، وخصوصاً ما يتعلق بدعم وحدة الصف العربي، وتفعيل قراراتها التي تخدم هذا الهدف، ومن أهمها القضية الفلسطينية التي قدم من أجلها العديد من المبادرات لحلها بصورة عادلة تضمن حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس. ومن هذه المبادرات مبادرة السلام العربية التي قدمها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - للقمة العربية المنعقدة في مدينة فاس المغربية 1982م حينما كان ولياً للعهد، والمبادرة التي قدّمها في ذلك الخصوص خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله -، وحظيت بقبول عربي ودولي وأصبحت مبادرة السلام العربية خلال اجتماع مجلس الجامعة المنعقد في العاصمة اللبنانية بيروت 2002. وتأكيد على أهمية تحقيق السلام العادل في المنطقة أكمل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مسيرة المملكة في دعم الجامعة العربية، وذلك عبر دعمه لكل ما يهم الشأن العربي، ومن ذلك ما أكده في كلمته التي ألقاها خلال أعمال القمة العربية ال26 المنعقدة في شرم الشيخ بمصر من أن «موقف المملكة ظل كما كان دائماً مستنداً إلى ثوابت ومرتكزات تهدف جميعها إلى تحقيق السلام الشامل والعادل في المنطقة، وعلى أساس استرداد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إنشاء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية عام 2002». وأعاد الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى الأذهان أهمية ما تضمنه ميثاق الجامعة العربية من أهداف تسعى إلى دعم الروابط العربية على أساس احترام استقلالها وسيادتها وصلاح أحوالها، من خلال توضيحه في كلمته موقف المملكة من تنفيذ عملية (عاصفة الحزم) التي جاءت لإغاثة اليمن حكومة وشعباً من العدوان الحوثي الغاشم وإعادة الأمن له بعد أن استغاث بالمملكة بوصفه جاراً عربياً وعضواً في جامعة الدول العربية، علاوة على تأمين حدود المملكة من ذلك الاعتداء الذي شكل تهديداً كبيراً لأمن المنطقة العربية واستقرارها. ولأهمية دور الجامعة العربية، شدّد الملك سلمان بن عبدالعزيز على أهمية النهوض بالعمل العربي المشترك لمواجهة ما تتعرض له المنطقة العربية من تحديات متنوعة، ومتابعة ما أسفرت عنه الجهود القائمة لإحداث نقلة نوعية في منهج وأسلوب العمل العربي المشترك، بما في ذلك إعادة هيكلة جامعة الدول العربية وتطويرها على النحو الذي يمكنها من مواكبة المستجدات والمتغيرات وإزالة المعوقات ومواطن الخلل التي تعترض مسيرة ذلك العمل، ليؤكد ما هدف إليه الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - من أهمية قيام هذا الجهاز العربي ليحقق مصلحة العرب لأعوام طويلة.