تضاعفت أعداد المشاركين في المسيرة السنوية لعاشوراء في مدينة السليمانية (شمال العراق)، والتي تنتهي عادة عند حسينية محسن الحكيم وسط المدينة، فهذه المرة انضم إليها آلاف من النازحين معظمهم من السنّة، وهي المرة الأولى أيضاً منذ سنوات يُردّد فيها المشاركون في عاشوراء قصائد تدين الفشل السياسي وفساد الساسة واستخدامهم الدين للوصول إلى السلطة. ومع أن مشاهد إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين بعد 2003 تميّزت بتدفق ممارسات وشعائر دامية غير متداولة لدى شيعة العراق الذين اعتادوا طوال عقود على إنتاج القصائد الحزينة في وصف مأساة كربلاء، كان الاستثمار السياسي هذه المرة في ذروته، إذ دُعمت المواكب بأموال الدولة، وزجّ سياسيون صورهم، ودسّوا شعارات طائفية في قلب تلك المواكب. وفي موازاة اتساع الشعائر الغريبة، التي لم تتبنَّها مرجعيات النجف ولم تستطع منعها أيضاً، كان ثمة جدل دائم في الأوساط الدينية الشيعية حول حدود الشعائر ومداها، فهذا العام ومع حجم الغضب الشعبي على الطبقة السياسية «الفاسدة» والانكسار الاجتماعي الذي خلّفته ظاهرة «داعش»، كان ثمة تطور آخر ل «عاشوراء»، فعلى مدى يومين نقلت مواقع التواصل الاجتماعي من كربلاء والنجف والبصرة وبغداد قصائد تدين الفساد السياسي -في جرأة تعتبر سابقة- وترفض استخدام الدين والمذهب لانتزاع مكاسب سياسية. في السليمانية لا تفصح المناسبة كثيراً عن نفسها، كما حال مناطق جنوبالعراق، لكن زخم اللاجئين من الموصل والأنبار وصلاح الدين وديالى، منحها بعداً يتجاوز الهاجس السياسي. وشهد هذا العام أيضاً للمرة الأولى منذ سنوات، إحياء المناسبة من قبل عشائر سنية معروفة، مثل البونمر في الأنبار، التي مازالت تقاتل تنظيم «داعش»، والجبور في صلاح الدين والعبيد في كركوك، كما ظهرت مواكب باسم هذه العشائر في كربلاء. ويفسر العزوف بمستوى الغضب الشعبي ضد الطبقة السياسية المتهمة بالفساد وسوء الإدارة ونشر الخطاب الطائفي. كما حملت المواكب التقليدية شعارات لا تختلف كثيراً عن تلك التي رُفعت في تظاهرات طالبت بمحاكمة الفاسدين وإدانة استخدام الدين للحصول على المناصب السياسية. وبسبب القصائد الغاضبة من الفساد، لم يجرؤ سياسي على الترويج لنفسه أو لحزبه عبر المناسبة، مقارنة بسنوات ماضية دأبت فيها أحزاب على رفع لافتات أو صور بأسماء أشخاص أو أحزاب تشير إلى رعايتها المواكب أو تقديمها خدمات للزائرين. حسين الحلبوسي النازح من الفلوجة والقادم من منطقة عربت التي تبعد نحو 30 كيلومتراً جنوب السليمانية، قال: «لم نأت رياءً بل حباً. ظُلمنا مرة من الأميركيين ومرة من داعش وثالثة من ظنون أهلنا بنا». وكان الحلبوسي أتى فجراً للمشاركة في إحياء المناسبة، فيما اكتظت الحسينية بمئات من الصبية والنساء، كثيرون منهم من النازحين، للحصول على «هريسة عاشوراء».